الأحد 2024-12-15 06:13 ص
 

ليلة اقتحام "الرأي": انتفاضة في إعلام النظام

11:21 ص

الوكيل - مرة واحدة في الماضي اضطرت فيها قوات الأمن الأردنية لإقتحام مؤسسات الصحف اليومية في نهاية الثمانينيات وفي عهد رئيس الوزراء الأسبق زيد الرفاعي وعبر مذكرات موقعة بإسم الحاكم العسكري أيام الأحكام العرفية.اضافة اعلان


المشهد تكرر بصورة درامية مساء الأربعاء في قلب العاصمة الأردنية وتحديدا في مربع الأسرار الذي كان دوما قلعة متمترسة في الدفاع عن خيارات الدولة الأردنية لعقود حيث جيش لا يكل ولا يمل من الصحافيين والفنيين الذين يصدرون الصحيفة الأولى الناطقة بإسم الدولة وهي الرأي.

الرأي هي نفسها الصحيفة التي فردت كل إمكاناتها مرارا وتكرار للدفاع عن النظام ومؤسساته وخياراته وكذلك عن الحكومات المتعاقبة وإتجاهاتها فتصدت للمعارضة وللأخوان المسلمين ولكل من غرد يوما خارج السرب.

المؤسسة تشهد ‘إنتفاضة’ ليست ككل الحراكات الشعبية إستدعت في مشهد مؤثر ستكون له تداعيات كثيرة تدخل قوات الشرطة ف مقر الصحيفة الناطقة بإسم الدولة الأردنية ولأول مرة في تاريخ الصحافة الوطنية حيث كتب عاملون في الصحيفة على مواقعهم الإلكترونية تفاصيل ليلة الرأي الساخنة بصيغة ‘تم طرد القوات الأمنية’.

نفس المشهد حصل تقريبا قبل أكثر من عام عندما أحاطت قوات شرطية بمقر البنك المركزي بهدف إنفاذ قرار يتعلق بإقالة محافظ هذا البنك في ذلك الوقت.

العاملون في الصحيفة تخندقوا وراء التصعيد غير المسبوق في أزمة تدحرجت في مؤسسة إعلامية ضخمة حتى أصبحت أزمة وطنية بإمتياز تدلل في كواليسها على صراع خفي بين أقطاب وحيتان ومراكز ونفوذ .

العاملون وفي ليلة القبض على الرأي حددوا ثلاثة أهداف تصعيدية أولها إسقاط حكومة الرئيس عبدلله النسور ثم إقالة مجلس الإدارة وأخيرا تنفيذ كامل مطالبهم ووقف ما يقولون انه فساد كبير في إدارة المؤسسة الإعلامية الأكثر نفوذا في المملكة.

الصحافي فيصل ملكاوي أبلغ ‘القدس العربي’ بأن جميع العاملين المعتصمين يحملون رئيس الوزراء شخصيا مسئولية ما يحصل وتحديدا بعد الإفتحام الأمني لمقر الصحيفة في رسالة واضحة تستهدف ‘إرهاب’ المؤسسة والطاقم الصحافي.

قبل ذلك كانت حنجرة الملكاوي والعشرات من زملائه تصدح في ساحة مقر الصحيفة وأروقتها ضد رئيس الحكومة بهتاف غير مسبوق: يا عبدلله يا نسور.. هذه الرأي مش الدستور.

الدستور هي الصحيفة اليومية الثانية في البلاد وتعاني هي الأخرى من أزمة مالية حادة جدا.

لكن الأهم ما يحصل في الرأي فالخطاب برمته موجه ضد رئيس الوزراء رغم أن وزيرا بارزا في الحكومة زار المعتصمين وإستمع إليهم ونصح إدارة الصحيفة بالتحاور حول مطالبهم حتى تنتهي الأزمة. الرواية التي يقدمها مقربون من النسور لمسار الأحداث تتعلق بحراك مطلبي عمالي بسيط تطور ـ بفعل فاعل ـ إلى بؤرة توتر سياسية ضد الحكومة.

وعبارة فعل فاعل هنا تعيدها اوساط حكومية لمراكز قوى في الدولة ترغب في إسقاط الحكومة شعبيا.

الصحافيون والعاملون لديهم رواية مختلفة تماما تتحدث عن فساد وقرارات إدارية خاطئة تتجاهل مذكرات موقعة وتمس بأرزاق الصحافيين وبحليب أطفالهم مع تجاهل تام ومريب وعنيد لمجلس الإدارة لمطالبات العاملين ودفعهم دفعا للتصعيد دون ان تستجيب حكومة النسور وتبحث عن معالجة منصفة.

العاملون يصرون على أن الرأي صحيفة وطن وليست صحيفة حكومة ويناشدون القصر الملكي التدخل وفي كواليس خلفية يشير بعضهم إلى أن العلاقة المتميزة بين رئيس الحكومة ومدير جهاز الأمن العام الجنرال توفيق طوالبه دفعت رجال الأخير للتدخل.

الأمن العام قدم رواية ثالثة تتحدث عن إحتقان شديد داخل مقر الصحيفة أثناء إنعقاد إجتماع طويل لمجلس الإدارة يبحث الأزمة وعن دخول الشرطة لمنع الإحتكاك بناء على إستدعاء رسمي من الإدارة لتأمين مغادرة أعضاء المجلس بدون التعرض لهم أو الإعتداء عليهم. مستويات أخرى في الدولة من الواضح أنها تحرص على عدم التدخل وتغذي عن بعد تدحرج الأزمة في أهم معاقل الإعلام الرسمي لكن الهدف أيضا غامض هنا ولا يمكن إستنتاجه ببساطة فيما يتشكل الإنطباع على مستوى النخبة بأن منسوب الإثارة الحراكي في صحيفة الرأي يعود إلى عاملين أساسيين.

العامل الأول هو حالة ‘الإنفلات’ في مستوى المطبخ والقرار السياسي، والثاني يتمثل في صراع ‘الفيلة’ التجاذبي الذي يتنامي خلف ستائر مؤسسات القرار حيث لا يعمل أي مسئول بارز اليوم مع نظيره إلا في سياق عدة معارك صراعية مشغولة على أكثر من مسار.

الإيقاع الذي يحكم المشهد برمته اليوم القناعة بأن خلية نشطة ومتعددة الأوجه تعمل على إسقاط حكومة النسور بكل الأحوال.

وبأن الحكومة في طريقها للتحول إلى ‘عبء’ وإنتاج التوتر خصوصا في معاقل القرار الرسمي فيما لا زال النسور يناور ويناضل للصمود والبقاء أو على الأقل تجنب السقوط تحت فعل الضغط الشعبي وفي ظل فكرة التوتر الذي إنتجته وزارته حتى داخل مؤسسات الدولة وعلى رأسها صحيفة الرأي.

ما فعله النسور مؤخرا واضح ومكشوف وهو التحدث علنا عن التضحيات التي قدمتها حكومته لإنقاذ البلاد ماليا وإقتصاديا وعدم السماح ـ قدر الإمكان- لخضوم متعددين ومنتشرين في كل مكان برسم مغادرة مؤسفة للحكم تحت إيقاع الإخفاق في إحتواء عدة أزمات أبسطها الرأي.

دبلوماسيون من وزن ثقيل إستمعت لهم القدس العربي ينظرون للأمر من زاوية متباينة قليلا قوامها إنشغال ‘خلية أزمة’ مرسومة جيدا بالتجهيز لخط الإنتاج الثاني في خطة ‘المشاورات البرلمانية- الوزارية’ والعنوان هنا هو تدشين حكومة برلمانية بالكامل لضرب عضفوين بحجر واحد. العصفور الأول هو التخلص من النسور الذي بالغ السفير الأمريكي ستيوارت جونز في إمتداحه علنا وبدأ يتصرف ـ أي النسور- على أساس أنه رجل المؤسسات الدولية القوي في الأردن أما العصفور الثاني فهو تمكين البرلمان من إستعادة هيبته وسط الشعب حتى يتفرغ وينجح في مهام أساسية مطلوبة وموضوعة على أجندة المرحلة.

قد يتفق هذا التصور الدبلوماسي التشخيصي مع ‘التغيير المفاجيء’ والهائل الذي شهدته مجلس النواب الأحد الماضي حيث إنتهت إنتخابات داخلية بإقصاء غريب وغير مبرر ومباغت لرئيس المجلس المخضرم سعد هايل السرور لصالح وجه جديد هو عاطف طراونة مع مكتب دائم يتشكل من وجوه جديدة تماما لم تجرب بأي معركة سابقا.


القدس العربي


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة