الأحد 2024-12-15 09:19 م
 

لينكولن .. فيلم جديد بقائمة سبيلبيرغ الصهيونية

08:23 م

الوكيل - أثار فيلم 'لينكولن' للمخرج اليهودي الذائع الصيت ستيفن سبيلبيرغ نقاشاً واسعاً لدى العديد من النقاد والكتاب والمؤرخين في الأوساط اليهودية والغربية في محاولة لفهم المعالجة الفنية التي اعتبرها بعضهم عملية تقديم نسخة يهودية خاصة للرئيس الأميركي السادس عشر أبراهام لينكولن، أخرجها وأنتجها اليهودي سبيلبيرغ وكتب قصتها اليهودي توني كوشنر ومثل شخصيتها أيضاً اليهودي داي لويس، حتى ذهب الأمر ببعضهم إلى اعتبار الفيلم محاولة للربط بين دور لينكولن في تحرير العبيد ودور النبي موسى (عليه السلام) في تحرير بني إسرائيل من فرعون مصر.اضافة اعلان

لكن هذا النقاش غاب تماماً عن الأوساط العربية ووسائلها الإعلامية التي اقتصرت على الإشادة بالفيلم ومخرجه الهوليودي العظيم والجوائز التي رشح لها أو فاز بها، والتسليم بأن سبيلبيرغ قدم الفيلم تخليداً لذكرى الرئيس أبراهام لينكولن (محرر العبيد)، متجاهلة شخصية المخرج الصهيونية وعلاقة لينكولن باليهود وقصة اغتياله على أيديهم والسياق المعاصر لإنتاج الفيلم، وهي محاور أساسية لا بد من الوقوف عندها للاقتراب من فهم حقيقة الأمور.
فما علاقة المخرج ستيفن سبيلبيرغ بالصهيونية؟
وما علاقة الرئيس لينكولن باليهود؟
ولماذا قتله اليهود رغم مكانته عندهم؟
وما الرسائل التي أراد المخرج توصيلها والقضايا التي أراد أن يخدمها في هذا الفيلم؟

ونظراً لأهمية هذه الأسئلة وكثرة التفاصيل والوقائع والمعلومات اللازمة للإجابة عليها لتوضيح أبعادها وتعميق الفهم بالمقاصد الحقيقية لمثل هذه الأفلام، ونظراً لضخامة حجم الموضوع وتشابكاته الصهيونية السياسية والاقتصادية، فإننا سنجيب على هذه الأسئلة في ثلاث مقالات متتابعة:

سبيلبيرغ بين العبقرية السينمائية والعبقرية الصهيونية

من نافلة القول الحديث عن عبقرية سبيلبيرغ السينمائية التي جعلت منه مخرجاً وهو لم يزل في الـ17 من عمره عندما قدم للجمهور فيلمه القصير 'ضوء النار' (Firelight) عام 1964، ولم تمض عشر سنوات قدم فيها سبعة أفلام، حتى فاجأ الجمهور والنقاد عام 1975 بفيلم 'الفك المفترس' (Jaws) الذي حقق أعلى إيرادات لفيلم على الإطلاق في وقته داخل الولايات المتحدة وخارجها، والتي بلغت حوالي 400 مليون دولار، في حين لم تتجاوز تكلفة الإنتاج والدعاية ستة ملايين دولار، مما حدا بالمخرج السينمائي الشهير ألفريد هيتشكوك إلى القول إن سبيلبيرغ المخرج الوحيد الذي يفكر خارج الحدود البصرية لخشبة العرض.

وعلى مدى 48 عاماً أخرج سبيلبيرغ 34 فيلماً -كتب بعضها- كان آخرها فيلم 'لينكولن' عام 2012، بالإضافة إلي كتابة 3 أفلام وإنتاج 5 آخرين، ناهيك عن 3 أعمال تلفزيونية، وفي عام 1981 أسس شركة 'دريم ووركس' للإنتاج السينمائي. وقد صنفته مجلة 'الإمبراطورية' المتخصصة في السينما كأعظم مخرج سينمائي على مر الزمان.

وكانت عبقرية سبيلبيرغ السينمائية تكمن في نقل الجمهور إلى عالم الخيال الجديد بعيداً عن واقعه، مستعيناً بمخيلته الإخراجية والمساعدات البصرية التكنولوجية والجرافيكية والمؤثرات الصوتية والمعالجات الإنسانية في تجسيد هذا العالم أمام المشاهد وكأنه يلمسه بيديه.

بيد أن ستيفن سبيلبيرغ المولود لعائلة يهودية أميركية عام 1946 لم تقف عبقريته عند حدود الفن السابع، إذ كان أكثر عبقرية في توظيف هذا الفن لخدمة انتمائه اليهودي وأفكاره الصهيونية. ولا نغالي عندما نقول إن سبيلبيرغ يعتبر أكبر وأخطر مخرج ومنتج صهيوني عرفته السينما العالمية على الإطلاق، لما تفوق فيه من ذكاء في اختيار الأفكار والموضوعات الصهيونية ومعالجتها فنياً وتقديمها في الوقت والسياق المناسبين.

إن الذاكرة العربية عند الغالبية العظمى -للأسف الشديد- تعرف سبيلبيرغ من خلال أفلام 'الفك المفترس' (Jaws) و'جيوراسيك بارك' و'حرب العوالم' وسلسلة 'إنديانا جونز' و'من خارج الأرض' (E.T) و'الذكاء الاصطناعي'، ولكنْ قليلون هم الذين يذكرون الأفلام الصهيونية لسبيلبيرغ التي عززت الأفكار والأساطير الصهيونية لدى جمهور المشاهدين، مثل فيلم 'قائمة شندلر' 1993 و'إنقاذ الجندي ريان' 1998 و'ميونيخ' 2005، وأخيراً 'لينكولن' 2012، وكان أخطرها قبل 'لينكولن' فيلم 'قائمة شندلر' الذي حصل على سبع جوائز أوسكار من بينها جائزة أحسن مخرج التي حصل عليها لأول مرة، كما حصل عليها مرة أخرى عن فيلمه 'إنقاذ الجندي ريان'.

ولم يدع سبيلبيرغ فرصة في أي فيلم أخرجه أو أنتجه يمكن استغلالها لصالح انتمائه اليهودي وفكر الحركة الصهيونية إلا وفعل، سواء بإشارات مباشرة أو غير مباشرة.

أما فيلم 'قائمة شندلر' السالف الذكر فقد تناول 'أسطورة' المحرقة النازية ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية، وأخرجه سبيلبيرغ بأسلوب الأفلام الوثائقية وقدم معظم لقطاته بالأبيض والأسود ليكون أكثر ثأثيراً وإقناعاً للجمهور من مختلف المستويات والانتماءات، حتى لم يسلم من هذا التأثير قسم من المشاهدين العرب.

وبعد النجاح الهائل الذي حققه الفيلم في الأوساط الصهيونية، أسس سبيلبيرغ عام 1994 مؤسسة 'الناجون من المحرقة' التي أجرت مقابلات مع 52 ألف شخص بين 1994 و1999، من بينهم اليهود الناجون من المحرقة والناجون الشواذ والسجناء السياسيون والعاملون في الإغاثة والإنقاذ والناجون من أتباع شهود يهوه. وفي عام 2006 دخلت المؤسسة في شراكة مع جامعة جنوب كاليفورنيا وأصبح اسمها 'معهد مؤسسة المحرقة للتاريخ والتعليم المرئيين بجامعة جنوب كاليفورنيا'.

ويعمل المعهد من خلال الجامعة وشركائه حول العالم لدعم أبحاث الهولوكوست، وهو يعمل -على سبيل المثال- مع مؤسسة 'خدمة الهولوكوست النمساوية' لتوفير المصادر والأدوات المساعدة للمعلمين والباحثين عن طريق الإنترنت، وإتاحة أرشيف شهادات المحرقة للأغراض التعليمية.

وتقديراً لجهوده في خدمة القضية اليهودية والحركة الصهيونية، أُطلق اسم ستيفن سبيلبيرغ على أكبر أرشيف يهودي مرئي وهو 'أرشيف ستيفن سبيلبيرغ للأفلام اليهودية' الذي أسسته مجموعة من أساتذة الجامعة العبرية بالقدس بقيادة البروفيسور موشيه دافيس عام 1960 تحت اسم 'أرشيف أفراهام راد للفيلم اليهودي'. وفي عام 1973 أعلنت منظمة الصهيونية العالمية اعتبار الأرشيف المستودع الرسمي لأفلامها.

وفي عام 1998 شارك سبيلبيرغ في إنتاج فيلم وثائقي باسم 'الأيام الأخيرة'، يروي قصص خمسة من يهود هنغاريا وما تعرضوا له في معسكرات الاعتقال النازية، وقد فاز الفيلم بجائزة الأكاديمية الأميركية لأحسن فيلم وثائقي. وفي عام 1996 نقل الأرشيف إلى مقره الحالي بكلية الإنسانيات بالجامعة العبرية في جبل المكبر بالقدس، ويحتوي على 16 ألف عنوان لأفلام وفيديوهات تخص اليهود والحركة الصهيونية.

وفي عام 2006 تبرع سبيلبيرغ، الذي تقدر ثروته بـ2.3 مليار دولار، بمليون دولار للحكومة الإسرائيلية إبان حربها على لبنان.

وغالباً ما كانت أفلام سبيلبيرغ الصهيونية ما تعقب نجاحاً كبيراً في دور العرض لأحد أفلامه الخيالية المثيرة، فبعد النجاح الذي حققه الجزء الأول من فيلم 'جيوراسيك بارك' 1993 قدم فيلم 'قائمة شندلر' 1993، وبعد النجاح الذي حققه الجزء الثاني في 1998 من 'جيوراسيك بارك' قدم فيلم 'إنقاذ الجندي رايان'، وبعد نجاح فيلمه 'حرب العوالم' 2005 قدم فيلم 'ميونيخ' 2005، وبعد نجاح فيلمه 'الذكاء الاصطناعي' 2001 قدم فيلمه 'تقرير الأقلية' 2002، الذي أنتج مع تداعيات تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وهو يرسخ فكرة التنازل عن جزء من الحرية الشخصية للحفاظ على مكتسبات الدولة، وقد أيد سبيلبيرغ حينها تصريحات الرئيس جورج بوش الابن التي قال فيها إنه يجب خلعهم من الجذور أولئك الأفراد القلائل الذين يشكلون خطراً على طريقتنا في الحياة.

لقد جعل سبيلبيرغ المحرقة وأساطيرها المحرك (الدينامو) للصهيونية ومبرراتها والباعث المتواصل في العقل الجمعي للمجتمعات البشرية التي تشاهد أفلامه لتحافظ على تعاطفها مع الشعب اليهودي وتزيد من دعمها للحركة الصهيونية ومؤسساتها.

إن سبيلبيرغ معروف بشخصيته المتشددة تجاه القضايا التي يؤمن بها، فهو لا يرى حرجاً في دعم جمعيات الشواذ جنسياً، وقد قدم لهم دعماً وقدره 100 ألف دولار عام 2008، ودفعه موقفه هذا إلى الانسحاب من عضوية المجلس الاستشاري الوطني للكشافة عام 2001 بسبب موقف المجلس المناهض للشذوذ الجنسي. كما انسحب من اللجنة الاستشارية للأولمبياد التي أقيمت في الصين عام 2008 بسبب موقف الصين الداعم للحكومة السودانية التي يعتبرها سبيلبيرغ مسؤولة عن أعمال العنف بإقليم دارفور.

وأخيراً قدم لنا سبيلبيرغ نهاية العام الماضي آخر أفلامه الصهيونية 'لينكولن'، الذي يتناول الشهور الأربعة الأخيرة من حياة الرئيس لينكولن، والتي حصل فيها على موافقة الكونغرس على التعديل 13 للدستور والقاضي بتحرير العبيد ومنع العبودية، وذلك بعد 146 عاماً على اغتياله.

(وفي الجزء الثاني من هذه السلسلة نتوقف عند حقيقة علاقة الرئيس أبراهام لينكولن باليهود ومفاصل نفوذهم أثناء حكمه ودوافعهم لاغتياله).

المصدر:الجزيرة


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة