الأحد 2024-12-15 08:44 ص
 

ماذا يمكننا أن نفعل؟

07:41 ص

من يراقب ويتابع جدول الأعمال اليومي للحكومة يلمس إدراكاً واضحاً لأهمية معالجة اختلالات جوهرية كبيرة في مجالات مختلفة، لكنّها تشترك في نقطة واحدة تقريباً، تعبر الوزارات جميعاً، بلا استثناء، تتمثّل في 'إصلاح الإدارة العامة'، بوصفها أحد العناوين الرئيسة لهيبة الدولة وسيادة القانون ومكافحة الفساد، وردم فجوة الثقة المتنامية بين الدولة والمواطنين، وتحسين المزاج العام..الخ.

اضافة اعلان


لو كنتُ محل رئيس الوزراء د. هاني الملقي، لجعلت هذا الموضوع هو مشروع حكومتي وعنوانها والمسار الذي يمكن أن تنجز فيه بحق، خلال الفترة القادمة، ولأحدثت نقلة نوعية في الصورة الشعبية عن الحكومة، تلك التي ارتسمت منذ الأيام الأولى التي شهدت تطبيقاً للاتفاقية مع صندوق النقد الدولي.


ما الذي يمكن أن تفعله الحكومة حالياً غير إعطاء الأولوية لهذه القضية؟! فالمنطقة حولنا ملتهبة، ولا يوجد أمل حقيقي بتحسّن ملحوظ في سورية، مع أمل بوضع أفضل في العراق مع انهيار كيان داعش، واحتمال تنشيط الحركة التجارية بيننا وبينهم.


وطالما أنّ الظروف الإقليمية متوترة، فإنّ الرهان على استثمارات نوعية تشكّل قفزة نوعية في العجلة الاقتصادية ما يزال محدوداً جداً، أو على مشاريع إعمار سورية، مثلاً، وكذلك الحال أثبتت الشهور الماضية أنّ الرهان على المساعدات السخية أو تدفق الاستثمارات والأموال من الأشقاء هو رهان انتهى وولّى زمانه، وتراجع 'سقف التوقعات' إلى مستوى منخفض جداً.


ضمن هذه المعطيات، وبالتوازي مع التفكير الجدي بتحسين العلاقة مع العراق والمضي في أنبوب النفط، مع التذكير بمحدّد العلاقة المتوترة مع طهران، التي تؤثر على هذا الملف، فإنّ العمل الأكبر والشغل الحقيقي المطلوب من الحكومة هو على الملف الداخلي المرتبط بتطوير الإدارة العامة والتخلص من أمراضها، وإعادة صوغ مفاهيمها وقيمها الرئيسة، ما يمكن أن يشكّل 'نقطة تحوّل' جوهرية في العلاقة بين الدولة والمواطنين، داخلياً وخارجياً، وربما هي فرصة ثمينة للحكومة للعمل على هذه الأولوية الوطنية والمهمة الكبيرة المؤجلة من عقود، وتفكيك العقد المتراكمة التي أرهقت الدولة والمواطنين على السواء وانعكست على الصور المتبادلة بين الطرفين.


لا نقول إنّه لا يوجد إدراك من قبل الحكومة لهذه الأولوية، بل هو أمر جرى الحديث فيه بكثافة وبتركيز شديد في الغرف المغلقة وبمطبخ القرار خلال الفترة الماضية، ونلاحظ تطبيقات نثرية متفرقة له هنا وهناك، مثل الحديث عن الفساد الإداري ومواجهته وتحويل بعض الموظفين المرتشين إلى القضاء، وجهود وزير الخارجية وشؤون المغتربين، التي أشرنا إليها في المقالات السابقة، وآخرها إلغاء المستشار العمالي؛ المنصب الذي كان يكلّف الدولة مبالغ طائلة، وكذلك الحال الحديث عن تطوير المناهج والتربية والتعليم، ومعركة المياه في مواجهة السرقة المنتظمة، وهنالك معارك ما تزال على الطريق مثل التهرب الضريبي، الذي يصل إلى مئات الملايين سنوياً..الخ.


مع ذلك، فإنّ المواطنين لا يشعرون بأنّنا أمام 'نقطة تحول' وأنّ هنالك فروقاً ملموسة حقيقية تتحقق بهذه الجهود، لماذا؟ لأنّها تفتقر إلى اللحن الجماعي أو الرواية المتناغمة، فتبدو وكأنّها 'كل حاجة سليمة بس لوحدها'، وكأنّ ما يقوم به كل وزير هو لحن نشاز، وليس ضمن 'معزوفة متكاملة'، وهذا يحدّ ويحجّم كثيراً من الآثار الكبيرة التي يمكن أن تترتب على توحيد الجهود وتنسيقها وبناء القصة المطلوبة للحكومة ودورها ومشروعها الكبير المفترض أن تعمل عليه خلال السنوات الحالية.


هذه الجهود تفتقر إلى الإطار والسياق. وهو الأمر الذي يتطلب تفكيراً جماعياً من الوزراء المعنيين، لإيجاد لغة واحدة، ومسرب مشترك، ورسالة واضحة للرأي العام، وتنسيق في الرؤية والتطبيق، وفي حال تحقق ذلك سيكون أهم من كل الاستراتيجيات النظرية المركونة على الرفوف!


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة