الوكيل - أكد مثقفون أردنييون تلك المكانة الرفيعة التي يحتلها الشاعر العربي الكبير، الراحل محمود درويش، الذي تصادف اليوم الذكرى الرابعة لرحيله، معتبرين أنه شكل علامة فارقة في تاريخ الشعر العربي، كما مثّـل، في سنواته الأخيرة، حالة خاصة على مستويات متعددة.
وحول ذكرى الراحل الكبير كان لـ»الدستور» الوقفات الحوارية التالية مع كوكبة من المثقفين:
د. فيصل درّاج:
أعتقد أن الشاعر محمود درويش في سنواته الأخيرة مثّل حالة خاصة على مستويات متعددة، فعلى المستوى الشعري أراد أن يتجاوز مواضيعه السابقة المشدودة دائماً الى فلسطين، وأن ينفتح على مواضيع كونية لا تغيب عنها فلسطين، وتكون بعداً من ابعادها، ولهذا مزج في الفترة الأخيرة بين الشعر والتصوف، وبين الشعر والفلسفة وأعطى مساحة واسعة للتأمل الذاتي.
وعلى المستوى الثقافي فقد كان درويش مهجوسا بأن يكون مثقفاً على مستوى إبداعه الشعري، ولهذا فانه كان يلاحق الكتب المهمة الصادرة باللغة العربية وكذلك الصادرة باللغة الانجليزية أيضاً، ومن الطريف أنه في سنواته الأخيرة قد عبّر عن شغف عالٍ بالمعرفة، بدءا من الفلسفة الألمانية والفرنسية وصولاً الى كتابات طه حسين وعبدالله العروي.
أما على المستوى الثالث ويبدو لي المستوى الأكثر أهمية، فهو تحولاته المستمرة كانسان، لقد حاول أن يكون انساناً هادئاً الى الحد الأعلى، وبسيطاً ومتواضعاً الى الحد الأعلى، متسامحاً لاينقد أحداً، ويرفض النميمة والنفاق ويرى في كل انسان ماهو جميل فيه، ولهذا كان يتحدث عن جميع الشعراء بمحبة عالية، ولا يذكر من مناقب الناس الا ماهو فاضل فيها، كان يبدو لي انساناً انسحب من المجتمع، وجلس في مكان بعيد متأملاً الأخلاق والجمال والحكمة، محاولاً أن يكون انساناً حكيما مع ذاته ومع الآخرين في آن.
أما المستوى الأخير فهو المرارة العالية التي كانت تشوب كلامه حين يتحدث عن فلسطين، تلك المراة التي كان يخالطها الكثير من اليأس أحيانا، ويخالطها أحياناً أخرى شيء قليل من الأمل.
د. محمد شاهين:
قال لي محمود درويش في إحدى المرات ونحن نتحدث عن الشاعر أمين شنار إن شنار موهبة انتحرت قبل الأوان، وفي اعتقادي فإن هذه الكلمات تنسحب على محمود درويش نفسه، وكانت بمثابة تأبين مسبق له، فهو قياساً على ما قال عبقرية رحلت قبل الأوان، عاش حياته رائداً مخلصاً لقضية الشعر والسياسة كقضية واحدة، تتقاطع أبعادها لتفضي الى رؤية تجسد حقنا في الوجود في كل مايمنحه الوجود من كرامة الانسان.
وبودي هنا أن أقول إن محمود درويش قدم الشعر على أنه ديوان السياسة، وبهذا فإنه سما بالقضية الفلسطينية الى مصاف القضايا الكونية، وأسمع العالم صوت أهلها من خلال قامة شعرية اعترف بها حتى الأعداء الذين وصفهم بعابرين في كلام عابر، وقد عاش درويش يؤمن ايماناً قاطعاً أن علينا أن نساهم في خلق واقع جديد أفضل، وكيف نتعامل مع هذا الزمن الأغبر يا محمود؟ سألته ذات مرة، فقال علينا أن نصطنع الأمل، وهي عبارة كررها أكثر من مرة، وهنا أريد أن أستذكر كلمات وردت في مجلة «الجيل» بعيد رحيله عن عمر يناهز سبعة وستين عاماً وهو في قمة عطائه، وهو الذي كان أحد أكثر مستحقي جائزة نوبل للآداب جدارةً بين الأدباء العرب، لكن حب الجماهير العربية لشعره وتقديرهم لنثره وكذلك تقدير الأوساط الأدبية العالمية كافة لابداعه ستبقى الجائزة الخالدة الى الأبد، وفي الختام أقول ما قاله الشاعر محمد الفيتوري في مطلع احدى قصائده (لم يتركوا لك ما تقول)، ويا صديقي درويش «لم يتركوا لي ما أقول».
محمد العامري:
أتحرج كثيرا بالحديث عن ذكرى درويش وعلاقتي بالشاعر الذي لم يزل بيننا، أخاف من مدح الراحل وان اقع في فخاخ تمكث فينا حينما نتحدث عن صديق رحل بجسده ليصبح اسطورة غير قابلة للنقد. ما كان يربطني بدرويش رابطا ثقافيا بالدرجة الاولى فقد انجزت معرضا عن كتابه اثر الفراشة عرض في غاليري البارح في البحرين وغاليري كريم في الاردن لايماني الشديد بأن المثقف يجب ان يناكف المثقف حتى الراحل بنص ثقافي يعيد الالق لما انجزه الصديق درويش. التقيته منذ العام 1994 في غاليري الفينيق ومرة اخرى في المانيا ومرات في بيته العماني، لقد عرفت فيه الشاعر الصافي والمثقف الحاد المخلص لنصه ووجوده كمثقف لا يوارب برأيه مهما كلفه الامر. لقد استطاع درويش عبر منجزه الشعري ان يشكل علامة من الصعب تجاوزها جاء بعد المتنبي ليعيد للشعر حياته القصوى في ارتكاب فعل الحياة. لقد ساعدنا درويش كثيرا واقنعنا بمبررات القصيدة. شاعر لا يقال عنه الا انه شاعر.
يوسف عبد العزيز:
يعتبر الشاعر محمود درويش واحداً من الشعراء الكبار في العالم، الذين رسموا خارطة الشعر في العصر الحديث. من جهة أخرى فقد استطاع درويش أن يقدّم القضية الفلسطينية للعالم من خلال شعره، بشكل مختلف عمّا تداولته وسائل الإعلام التقليدية والمعادية بشأن الشعب الفلسطيني. ومثل هذا العمل هو إنجاز كبير يسجّل للشاعر، ولدور الشعر عموماً في الصراع الحضاري الذي تخوضه الأمة العربية مع أعدائها.رحل درويش وترك وراءه فراغاً مدوّياً. ومنذ رحيله قبل أربع سنوات، ومع اشتعال الثورات العربية في العامين الماضيين، لم نقرأ هناك شعراً حقيقيّاً يستلهم هذا الفعل الثوري الجديد. ولو ظل درويش حيّاً لكتب لهذه الثورات، خاصّةً وأنّ شعره كان يذهب باستمرار ليعانق تلك التّحوّلات العظيمة في روح الأمّة.وخير مثال على ذلك القصائد التي كتبها عن الدّيكتاتور العربي، والتي يعرّي من خلالها أنظمة الحكم العربية المستبدّة، ويبشّر بالثّورة.ما يبعث على الألم، هو ما نراه من سطو على إرث درويش، من قبل من نصّبوا أنفسهم سدنةً لشعر هذا الشاعر! لقد لخّصوا محمود درويش، من خلال إنشاء تلك المؤسسة الصغيرة التي حملت اسمه، والتي لا تقوم في الواقع بشيء يذكَر، باستثناء تلك الجائزة السنوية التي تمنحها. وبهذه المناسبة أنا أدعو الشعراء والمثقّفين الفلسطينيين والعرب لاستعادة درويش، لأن إرث درويش ليس ملكاً شخصيّاً لأحد، وإنّما هو ملك للثقافة وللأمة العربية. لا بدّ أن تكون هناك مؤسسة أخرى وحقيقية، تعمل على مدار العام على نشر أعمال درويش الشعرية وترجمتها إلى مختلف اللغات، هذا بالإضافة إلى ورشات عمل ومؤتمرات وندوات تتناول تجربته الشعرية.
د. ابراهيم خليل:
في كل مرة نتذكر فيها محمود درويش نهرع إلى شعره، نستفتح الديوان فتلفحنا على الفور روائح النعناع والزعتر المختلطة بعبق البنفسج وألق اللازورد وخضرة الأرض البكر. نقرأ شعره مرارا وكلما عدنا إلى قراءته وجدنا فيه لذة لم نجدها في السابق: رموزه، ومجازاته، وأساطيره، وصوره، وألفاظه، المنتقاة النفاذة، تتفتح عن دلالات جديدة مثلما تتفتح وردة غضة تحت قطرات الندى. لا أظنني أخالف الحقيقة إن قلت: إن لدرويش حضورا شخصيا في شعرنا الحديث لا يتمتع به شعراء آخرون. وأن لصوته رنينا يشنف الآذان كأغنية عذبة أو لحن أو سمفونية لم تعرفها الآلات الموسيقية بعد. يحتاج درويش لإعادة قراءة، فلقد أساءت لشعره دراسات كثيرة كتبت في شيء غير قليل من الحب وقليل من التأمل النقدي الدقيق. هذه المناسبة- الذكرى الرابعة لرحيله- تشجعنا لدعوة الباحثين والنقاد الدارسين للتوقف مليا أمام شعره بدلا من المحاولات المتكررة لاتخاذه سلما للارتقاء الشخصي.
مهند ساري:
لا أعرف إجماعا عربيا على الشاعر وشعره كما هو الحال بإجماعنا على محبة درويش وشعره. كانت شخصيته لامعة ومحببة، عميقة وقريبة وفيها اصرار هائل على معانقة الحياة. وكانت قصيدته مثل ذلك تماما. سأقول: كان يحس كتابة الشعر في قصيدة! وسيقال لي: فقط هكذا أتصفه؟ سأقول: إنه لأمر هائل ونادر جدا أن يحس شاعر ما كتابة الشعر في قصيدة ويتقن ذلك الى حد بعيد. يخيل لي أن درويش لو لم يكن شاعرا لكن مهندسا معماريا فذا. إن هندسته المعمارية لقصيدته وبإسلوبه الخاص في عباراته الشعرية المحككة أمر مدهش حقا وبديع!
أفتقده الى حد كبير فلم يحث أن سحرني ديوان شعري كامل منذ أربع سنوات كما كانت تفعل دواوينه الشعرية بي وبغيري من قرائه ومحبيه. هناك ميراث شعري كبير ومهمل في دواينه الشعرية الأخيرة منذ «لماذا تركت الحصان وحيدا»، ان تطويعه وتطويره لموضوعات شعرية كانت بطولتها الفكرة - أي فكرة - مازال ميراثا مهملا الى حد كبير ولا يكاد يلتفت إليه ناقد أو شاعر إلا مسّا لسطحه. ذهب الرجل الى الموت ولم يأخذ معه غير جسد متعب لم يعد يفي بمتطلبات نفس عظيمة النشاط ودائمة البحث والقلق، لكنه ترك لنا ميراثه الشخصي الفذ لنشاركه طرئقه الفريدة في الاحساس بالحياة وايقاعها, ولا أستطيع أن أحدد كيف ومتى صار الشاعر شعره! لعلها حداثة فريدة في تاريخ البشرية! رحم الله درويش.
مهدي نصير:
(أنا أعلى من الشعراء شنقاً.. وأدناهم إلى عشبٍ يميل) هذا هو محمود درويش الذي كان سفيراً ثقافياً متجوِّلاً يحمل القضية الفلسطينية والقضايا العربية والانسانية في قلب قصيدته واستطاع بشعريته العالية والحقيقية أن يوصل الصوت الفلسطيني المقهور والمغتصب إلى كل ثقافات ومثقفي العالم.افتقدنا برحيله شاعراً وإنساناً ومبدعاً ومناضلاً ومجدِّداً حمل صوتنا وجرحنا وحزننا وقرع بها ساحات العالم ومنابره وذكَّر مثقفي العالم وشعرائه بواجباتهم الأخلاقية للوقوف في وجه الطغيان.
محمود درويش لم يرحل, فصوته باقٍ ما بقي اللوز والزيتون وما بقيت فلسطين تلد وتنجب وتتحدّى.
خلدون عبد اللطيف:
قيل الكثير عن محمود درويش إبان حضوره وغيابه، ولمّا يزل جديراً بالإحتفاء، وقابلاً للتكاثر في ذاكرتنا الجمعيّة كأنه رمقٌ أول لا أخير. ولعلي أشكّ في قدرة أي شاعر على تجنب المرور من تحت قوسه الشعري دون أن يترك فيه أثراً، لا سيّما الشعراء الممسوسون برعشة السياسة، والبناءات اللغوية المتصاعدة.
كما أن استذكار درويش في الذكرى الرابعة لرحيله هو من إحدى جوانبه تعميقٌ للفقد، وفسحة أيضاً لمعاينة المشهد الشعري بعد رحيل واحدٍ من أهم أعمدته في النصف الثاني من القرن العشرين ومطلع الألفية الجديدة. هو الذي ساهم من خلال الشّعر في جعل فلسطين قضية شعرية كونية، لا مجرد قضية سياسية وصراع وجود.في رثائه لصديقه الصحفي الراحل سمير قصير قال درويش بأنه «واحد من أجمل العشاق»، وها نحن في الذكرى الرابعة لرحيل درويش نفسه نؤكد بأنه كان ولا يزال واحداً كذلك من أجمل العشاق .
الدستور
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو