الأحد 2024-12-15 09:47 م
 

مجتمع قوي دولة قوية

07:26 ص

المعادلة الصحيّة في مسار بناء الدول المعاصرة تتلخص في مجتمع قوي دولة قوية، يمكن في لحظة ان تهتز الدولة ولكن لا يجب ان تتعمق هشاشة المجتمع لأن المصدر الاقوى والاغنى لقوة الدولة يتمثل في قوة المجتمع، نقول دوما ان الذي حفظ لبنان منذ الحرب الاهلية اي قبل اكثر من 40 سنة هو قوة المجتمع رغم ضعف الدولة؛ اي ان المجتمع هو من يحمل الدولة ويحافظ على تماسكها رغم ما فيها من مصادر ضعف. ماذا عنّا في الأردن؟ بدون شك الدولة اقوى من المجتمع والدولة هي التي تصون تماسك المجتمع وتحرص في كل محطة على استعادة اللياقة الاجتماعية، ولكن هل ثمة مؤشرات على هشاشة اجتماعية ما؟

اضافة اعلان


المشكلة احيانا ليست في المخاطر والتهديدات التي يواجهها المجتمع، فالمجتمع كائن حي قد يتعرض للامراض والعلل؛ بل في الطريقة التي يواجه بها هذه المخاطر وفي قدرة الدفاعات الذاتية على المواجهة؛ أي حيوية المجتمع في الاشتباك الذي يحوّل التحديات والمصاعب الى فرص لمزيد من التقدم وللتخلص من الحمولات الزائدة والاعباء؛ هذا ما لم يحدث خلال الاشهر الاخيرة في الكثير من التحديات والصعوبات التي واجهها المجتمع الاردني.


ابرز مظاهر هذه الهشاشة يبدو في ضعف استجابة الاطر المؤسسية المدنية، وتراجع قدرات مؤسسات المجتمع المدني في قيادة الرأي العام او حتى التأثير به، بل الامر زاد على ذلك في عدم قدرة هذه المؤسسات في بلورة ردود افعال واحيانا في مجرد تحريك اي ساكن، نلاحظ ذلك في انحصار الحركة المجتمعية العقلانية التي تشتبك مع الدولة ايجابيا في البحث عن الحلول، فالدولة تواجه اصعب ازمة اقتصادية في تاريخها تتجاوز ازمة نهاية الثمانينيات وتواجه ازمة سياسية واستراتيجية ومصادر تهديد متعددة وحصارا من كافة الجهات، ومع هذا لم نلمس وجودا حقيقيا لمجتمع مدني يمارس نقدا منهجيا ويعيد تشكيل قواعد الاشتباك وفق رؤيته للصالح العام، وهذا ينسحب على معظم المؤسسات المجتمعية المعنية بالحريات العامة وتلك المعنية بالكتاب والكتابة والفكر وانتاج المعرفة التي ما تزال تقف مشدوهة ومكتوفة الايدي بدون حراك وان تحركت فانها تقدم ردودا خجولة واحيانا اعتذارية. في المقابل نلاحظ طبقة اخرى من الهشاشة المجتمعية في سرعة الانتقال المجتمعي؛ وردود الافعال السريعة للقواعد الاجتماعية التي قد تخلق حالة استقطاب هائلة ومزعجة في الرد على نكتة او صورة او معلومة مزيفة او شائعة.


هناك حالة انسحاب واضح وتراجع في اداء المؤسسات المجتمعية المدنية التي يكتفي بعضها بمراقبة المشهد واحيانا تعفي نفسها حتى من ان تكون مراقبا او شاهدا، وينسحب هذا بصورة اقسى على الكتل الاجتماعية الحيوية مثل مجتمع الاكاديميين الاردنيين الذين لا حول ولا قوة لهم في الحياة العامة خارج قاعات الدروس، وكتل اخرى مثل المتقاعدين المؤثرين الذين من المفترض ان يعدوا خبراء وذخيرة المجتمع ومخزونه واحتياطه الثمين وحتى رجال الاعمال الوطنيين علاوة على كتل المثقفين العضويين الذين هم طليعة المجتمع العارفة التي من المفترض ان تكون بمثابة الكتلة التاريخية التي تتكون من مختلف الفئات ومن مرجعيات فكرية وسياسية متعددة يجمعها الايمان بالتعدد واحترام الاختلاف وحد ادنى من الاتفاق على مفهوم الصالح الصالح العام.


المشكلة لدينا انه علاوة على الضعف التاريخي لبنية المجتمع المدني، فقد دخلت الدولة بعلاقة زبونية ورعوية مع طيف واسع من هذه المؤسسات في السنوات الاخيرة، ما عطل عمل هذه المؤسسات ان تكون وسيطا موثوقا به بين الدولة والمجتمع. وبالتالي تعطلت هذه الوظيفة التي يحتاجها المجتمع والدولة معا.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة