الخميس 2024-12-12 10:55 م
 

مجلس العموم

09:04 ص

الوكيل - أفرحني وأحزنني ما جرى في البريطاني. ذاك النقاش الحاد والمطول في المجلس الذي استشاره رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بشأن اشتراك بلاده في ضربة عسكرية تجاه سورية، وهو الذي لا يلزمه القانون باستشارته، ولن نقول ولا الدستور؛ لأنه لا يوجد دستور مكتوب في المملكة المتحدة بل دستور عرفي محفوظ في التربية الثقافية والسياسية والاجتماعية وضارب في الاحترام من خلال الالتزام بقواعده غير المكتوبة.اضافة اعلان

لم يكن كاميرون يستعرض ولا يزايد على أحد بأنه منحهم مالا يستحقونه، بل كان يطلب الموافقة الشعبية التي يعبر عنها النواب، ولم يعتبره وزراؤه ضعيفا غير قادر على ممارسة حق يملكه دون الرجوع القانوني لأية جهة في البلاد ولا حتى الملكة.
النقاش كان حادا ولكنه مسؤول وعلى سوية عالية من الكفاءة والحصافة السياسية التي تشكلت لدى الطرفين بالممارسة التنظيمية الحزبية الطويلة التي أوصلتهم إلى مقاعدهم، ولم يصلوها بصناديق انتخاب مزورة ولا بكوتات ساذجة أو محاصصات القوى المفروضة على المنطق.
والتزمت الحكومة البريطانية بما يراه ممثلو الشعب الحقيقيون كي لا يتنبه التاريخ الحقيقي غير المزيف لديهم ويدينهم بعد سنوات على تكرار ما وقع منهم في العراق بقرار توني بلير الذي ثبت أنه لم يقم على دليل بامتلاك العراق أسلحة استهدفها التحالف العالمي.
لا أخجل من الاعتراف بأني مستلب بالمعنى الموضوعي للكلمة وفي السياق الاعترافي بالحقيقة التي لا يماري فيها إلا السفسطائي السقيم، ولست أطرح هنا الموضوع السوري وفيما يجوز أو لا يجوز التباكي على مستقبل نظام ديكتاتوري بالوراثة المستبدة، ولست خجولا حين أعلن أمنيتي بضربة قاصمة لكيان مجرمين لم يرف لهم جفن أمام أنهار الدم، ولكني أتحدث هنا في جزئية (ويا لها من جزئية) تتعلق بأعراف البريطاني.
وعلى نحو آخر ليس ساذجا بل متصل بما وراء الفكرة والمبدأ، لفتتني ديكورات الذي يجلس فيها النواب والوزراء متقابلين في دلالة مكانية بالمساواة التشريعية والتنفيذية وعلى خلاف المجالس البرلمانية العربية التي تشطر الطرفين كفريقي نزاع، ولم أجد في المكان مظاهر الزخرفة والبذخ الفائض المدججة به برلماناتنا العربية التي لا تنتج قانونا ديمقراطيا طيلة أعمارها الممتدة، وتكرار وجوه برلمانييها الذين لا يتقاعدون إلا بالموت، وإذا ما أصاب أحدهم الموت فلن يغمض عينيه قبل ترشيح و’تنجيح’ نجله الهمام الذي تشرّب السياسة وفسادها من منبعها الأصلي فغالبا ما يكون النائب العربي ‘سر أبيه’.
ظللت أتابع جلسة البرلمان الإنجليزي ولم يكن لدي ذاك الحقد الذي يستعر في نفوس الممانعين لضربة ضد النظام الممانع ولم أقاوم نفسي بتجنيبها التفكر بالموضوع والتأمل في الشكليات، وما الحزن الذي أصابني إذاك يرجع إلى شيء تجاه القلق على مستقبل عنق الأسد الطويلة كالهموم العربية، بل كان الحزن الذي مرده استحالة أن نصير يوما كما هم عليه.
لن أتحدث في الشرعية التي تتيح التدخل الإنساني ولا في القانونية التي لابد من الاستناد إليها قبل تنفيذ العمل العسكري، لكن فرحت وأعجبني أيضا قول زعيم حزب العمال بأن القرارات تأتي بعد الأدلة وليس العكس؛ ذلك أن هذا هو الأداء السياسي المقنع والفهم السياسي والذكاء البلاغي في إيصال الفكرة، لم يقل ذاك النائب كلاما غير سياسي أو اتهاميا ولم ينضح فقاعات هواء، ولم يخرج عن حدود لياقة الاختلاف وأدب الساسة الحقيقيين.
لم تتوجه صوب كاميرون وفود المعارضة لتساومه على مكاسب سياسية أو تحقيق صفقات بتحقيق تقدم ما لها مقابل تمرير القرار بل كان كل شيء على الملأ وتحت نظر العالم أجمع، لم تكن جلسة سرية يحاك فيها ما يخجل ولا كولسات انتهازية يمرر من خلالها ما يدين الشرف الشخصي ويخرج المرء من دائرة المروءة والنقاء الوظيفي.
لم يكن من داع للتلفيق والمداورة والمناورة ولا مجال البتة في الشك، حسب نظرية المؤامرة المستعرة في عقول البسطاء والموتورين، بأن الجلسة تمثيلية على العالم وعلينا نحن العرب على وجه الخصوص، ذلك أنهم غير معنيين بإقناعنا بممارستهم الديمقراطية فقط بالاستعراض الأخاذ لسواد عيوننا العربية وسمرتنا البدوية.
هل لنا مجرد الحلم بأن يصير لدينا يوما ولو قليل من الوجود السياسي النزيه، وهل سيأتي اليوم الذي يكون لنا مرجعية دستورية في ظل دستور غير مكتوب!
كيف ذاك، ونحن نخالف الدستور المكتوب ويخالف مشرعونا القوانين التي سنّوها، ولدينا ممارساتنا التي لا يوجد لها تصنيف غير أننا خارج التاريخ.
كيف نقترب من حكم مثل هذا وقد أبادنا حكامنا غير الشرعيين فقط لأننا قلنا لهم: قليلا قليلا من الهواء!
*كاتب من الأردن.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة