مسلسل "عُمَر" .. تأريخ للسيرة النبوية .. وإخفاق في ثيمة "الفاروق" العقائدية

الوكيل - رغم الحوار الموجز بين الفاروق والشاعر سهيل بن عمرو الذي أذن له الرسول الكريم محمد بعودته الى مكة لتحصيل مال يُفتدى به اثر وقوعه في الأسر بعد غزوة بدر، دلالة لفظية على موقف عمر من قضية أسرى بدر، والذي جاء القرآن الكريم مؤيدا له – انظر سورة الأنفال - إلا ان هذا المشهد السريع لا يعفي الدكتور وليد سيف وحاتم علي في عملهما الأخير 'عمر' عن اغفالهما للثيمة الأساسية للفاروق في توافق أحكامه مع القرآن في أكثر من مسألة فقهية وعقائدية وجهادية.. كتحريم الخمر، وهو الذي عُرف بشغفه وعشقه للخمر، والحجاب، ومقام ابراهيم، وعارض النبي الكريم عندما أراد الصلاة على أحد المنافقين.. حتى قال فيه معلمه الكبير محمد عليه الصلاة والسلام:' لو كان في أمتي متكلما لكان عمر' .
وبعيدا عن دبلجة وخطابات المسلسل التاريخي'عمر' - الذي يعرض على عدد من المحطات الفضائية - والقصص المتكررة في أعمال درامية سابقة مثل قصة ' الوحشي' وتعذيب 'بلال بن رباح'، وأفعال 'أبو لهب' وانفعالات هند بنت عتبة وحكايات أبناء سادات قريش الذين التحقوا بالاسلام ودار الندوة وسالم ومولاه حذيفة، فقد أخفق الكاتب والمخرج في تقديم هذه الشخصية بما يليق بها. كان يمكن أن يكون العمل أكثر عمقا وألفة وخصوصية لهذه الشحصية الاستثنائية، ولعلاقتها الثنائية مع مربيها الكبير 'محمد' دون التوسع في قضايا يعلمها الصغير قبل الكبير..
في الحجاب والغيرة ومقام ابراهيم
قد يكون العمل التاريخي 'عمر' تأريخ للسيرة النبوية، لكنه لا ريب بعيدا كل البعد عن خليفة المسلمين الثاني، فلم يكن عمر قصة رجل نطق الشهادتين لفظا، وهاجر الى المدينة المنورة ليكون في استقبال نبيه ومعلمه فحسب، ولم يكن فارسا يلتحق بغزوة تلو أخرى فقط، بل نسيجا من عقيدة دينية حقيقية، ودعامة من دعائم الرسالة النبوية التي خصها عز وجل للعالم أجمعين... وركيزة عالية في إرساء منهاج عتيد، لتصبح أمته أمة دين وعقيدة وحياة.. مما اضفى عليه هالة من القداسة والتبجيل، وجعلت منه حكاية اسطورية نتداولها كلما تذكرنا انتصاراتنا القديمة، اضافة لورعه وتقواه وبكائه عند سماع الآيات الكريمة حتى تخضل لحيته – وهو الذي لم نلمسه في العمل - ومشيته السريعة التي لم يكن أحد يستطيع اللحاق به، وتتبعه في كل زاوية كان يطأها رسوله، ليكون شاهدا على كل ما يحدث في عهد نبيه، والحاحه وفظاظته وجداله الدائم وأسئلته التي لا تنتهي، مما حدا برسولنا الكريم أن يقول عنه بعد أن اقترنت أحكامه بالكتاب السماوي في بعض القضايا الدينية: 'إنّ الله جعل الحقَّ على لسان عمر وقلبه .. ' فغدا رجلا عقائديا، مجبولا بعقل نير، وقلب مفعم بسرابيل دينه كافة..
عن أنس بن مالك قال : قال عمر: وافقت ربي في ثلاث, قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ؟ فنزلت: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى . 'سورة البقرة،' وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر, فلو أمرتهن أن يحتجبن ؟ فنزلت آية الحجـاب, واجتمع على رسول الله نساؤه في الغيرة, فقلت لهن :عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن: 'سورة التحريم – الآية 5' فنزلت كذلك. رواه البخاري ومسلم والنسائي وكذلك الترمذي وابن ماجه
عمر .. والصلاة على المنافقين والخمر
وفي كتاب فضائل الإمامين لأبي عبد الله الشيباني قال: وافق عمر ربه في واحد وعشرين موضعاً فذكر هذه الستة وزاد سابعاً قصة عبد الله ابن أبي، قلت: حديثها في الصحيح عنه قال: لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه فقمت حتى وقفت في صدره فقلت: يا رسول الله أوتصلي على عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا كذا، فو الله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت: وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا. وكذلك في الخمر: ويَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ. الآيات الثلاث التي حرمت الخمر. وفي حديث عن الاستغفار، ورد في عدد من الأحاديث المروية، أنه لما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستغفار للمنافقين: قال عمر: سواء عليهم فأنزل الله: سَوَاء عَلَيْهِمْ اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. - أخرجه الطبراني عن ابن عباس –
ما وافق القرآن عمر في بعض القضايا
وفي مواضع أخرى، قصة عمر في الصيام لما جامع زوجته بعد الانتباه وكان ذلك محرما في أول الإسلام فنزل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ... سورة البقرة - أخرجه أحمد في مسنده. وفي ' الافك'، عندما استشار الرسول أصحابه، سأل عمر: من زوجكها يا رسول الله قال: الله، قال: أفتظن أن ربك دلس عليك فيها سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت كذلك.
وفي قصة جداله، وقد أخرج الحديث ابن جرير وغيره، وأقر بالموافقة ما اخرجه ابن ابي حاتم عن عبد الرحمن بن ابي ليلى أن يهوديا - وقيل كانوا عشرة - لقي عمر فقال: إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا، فقال له عمر: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين فنزلت على لسان عمر –سورة البقرة - قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ. ... البقرة 98' كما وافق القرآن الفاروق في آية الاستئذان، وذلك دخل عليه غلامه وكان نائماً فقال: اللهم حرم الدخول فنزلت آية الاستئذان.. 'سورة النور'...
رغم كثافة السرد واللغة المتقنة، ووجود ممثلين متميزين في العمل، إلا أن هذا لم ينقذ حاتم علي – الذي عُرف بدقته، وقدم روائعه التاريخية 'صقر قريش وربيع قرطبة وسقوط غرناطة' - في تقديم 'سامر اسماعيل' - عمر– لأولى خطواته الفنية، واكتفى علي بترقيع عمله بالسيرة النبوية والانتاج والتصوير المبهر للغزوات والمعارك.

العرب اليوم