السبت 2024-12-14 08:52 ص
 

مسمار في حذاء دكتاتور

07:26 ص

كيف لنا أن نقرأ عالمنا التافه، متعدد الوجوه، وزائغ النظرات؟ كيف لنا أن نفهم فنون جنونه، وقبح ظنونه، وسواد نواياه؟ كيف لنا أن ندرك سراديب أفكاره، ومخططات أسراره؟ كيف لنا أن نقرأ أن قواه الكبرى، لا تحكمها الأخلاق، أو الحقائق بل تجرها المصالح.

اضافة اعلان


لم تهرع أميركا وحلفاؤها إلى ضرب سوريا؛ ثأراً للدم السوري المستباح، ولا نصرة لمن اختنقوا بالغاز وتشردقوا بموتهم. هم ثاروا لما يرونه قانوناً تعداه النظام ليس إلا. هرعوا لكسر شوكة روسيا، بعد أن سادت ومادت على التراب السوري، واعتقدت في لحظة زهو، أن العالم عاد ثنائي القطب. أميركا قالت: بل هو أحادي القطب. وهذا توقيعنا.


ندين العدوان الجديد، كما دنت من قبل العدوان الروسي والإيراني وتدخل حزب الله. فما زلت أرى أن سوريا أرض محتلة بعديد من القوى والمنظمات. هي طاولة قمار عالمية. هي محتلة أولاً من نظام قمعي بوليسي أوصل شعبها إلى هذه النهاية المأساوية. هي منصة لكل قوى التدخل المصلحي في العالم. الكل له اصبع هنا.
سيحق لمن هتفوا منذ مبتدأ الأمر: (الأسد أو حرق البلد)، أن يخافوا من كل هجوم صاروخي. وسيبتهجون رقصا ونصرا إن لم يُصب السيد الرئيس بأذى، فحتى لو سحقت البلد وتهجرت العباد، وبقي الممانع المقاوم؛ فهذا هو النصر المبين. ولا عزاء للدم السوري.


الذين (زعبروا) ومانعوا وقاوموا، هؤلاء لم نر أحدا منهم يدين أو يشجب قتل الأطفال وتهجيرهم وتدمير بيوتهم، لم نر أحدا منهم يقف عند حجم الألم الذي جلبه علينا هذا النظام. بل هم رأوا إجرامه عملا تطهيرياً، وفعلا مقاوما، طيلة السنوات السبع العجاف. هؤلاء أشد قبحا من طاغيتهم، لأنهم منحوه إجازة التوغل بالدم.
عالمنا لم ينفعل على ملايين اللاجئين، ومئات الآلاف من القتلى والمساجين. بل انفعل وثارت ثائرته أن النظام تجاوز حدود اللعبة. (معلش اقتل بالبراميل والدينامت والقنابل والدبابات)، ولكن لا تستخدم الكيميائي. إنه محظور في عرفنا.


أنا مع سوريا الإنسان وسابقى. الإنسان الذي خرج بصوته العاري، قبل سبع سنوات وشهر، للمطالبة بحريته وحقوقه بكل سلمية. لكنه وجد جدارا من النار يقيمه النظام. ثم اختطفت ثورة هذا الإنسان، جراء استبداء النظام، حتى غدت سوريا مستنقعا للإرهاب والتطرف ومهبطا لكل الأجندات السياسية والقوى الدولية.


أنا حزين على سوريا المآلات والنهايات. وحزين على أن ثمة من كنا نراهم تنويريين ومفكرين وأدباء هرعوا هتافا وتبجيلا للطاغية. فأي أدب وفن وحكمة تجعلك مسمارا صغيرا في حذاء دكتاتور. الشعوب أبقى من هؤلاء العابرين، فلا طاغية تاخم عنان السماء. والتاريخ سجل مفتوح.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة