أخشى ما أخشاه أن ننام على «حلم» فنبني من رغائبنا ما نشاء من صور مبهجة ثم نصحو على «وهم» يأخذنا بكوابيسه الى خيبات لا طاقة لنا على احتمالها.
لم يسبق لي أن انتسبت لحزب «التشاؤم»، ولم يبق مزيد من العمر لأفكر في ذلك، لكن ما حدث بعد أن خرج آلاف الشباب للاحتجاج في شوارعنا أعادني – وغيري الكثيرين- الى دائرة الحلم حتى كدت اتقمص الدور، فقد أنهى هؤلاء الشباب مهمتهم في ستة أيام ثم انصرفوا الى بيوتهم وتركوا لنا ما هو أكبر من «حلم»، وفجأة تغير المسرح، وصعد الى خشبته لاعبون جدد، نعرفهم، لكننا لا نعرف الى أين سيذهبون بنا، ولا فيما إذا كانوا قادرين على امتلاك «عصا» موسى لعل البحر ينشق فنمر منه الى الضفة الاخرى سالمين.
لن أتحدث -هنا- عن مهمة الرئيس الجديد، الدكتور الرزاز، فأنا أعرفه وأتوقع أنه يشعر مثلي تماماً بالهواجس ذاتها، وبثقل «التركة» ووعورة الطريق، لكنه مضطر لركوب الصعب ، وكل ما املكه الدعوة له ان ينجح في تبديد الهواجس وتخطي الغبار الذي غطى على صورتنا طيلة السنوات الماضية.
سأشير فقط باختصار الى عدة ملاحظات عل هامش الطريق الوعر، الأولى هي ان استمرارنا في تقمص «حالة» الدوار الرابع الذي لا نعرف حتى الان كيف تشكلت ولا من ساهم في تصديرها وترسيمها واخراجها، سيغطي جزءاً كبيراً من الحقيقة أمامنا، اقصد حقيقة المشكلة والوجع، ليس في تاريخه القريب الذي رأيناه حين داهمنا الربيع العربي، ونجحنا (هل نجحنا حقا؟!) في ابتلاعه وتجاوزه، وانما في تاريخنا البعيد الذي تشكلت فيه هويتنا وشخصيتنا الوطنية وذاكرتنا ايضاً.
أما الملاحظة الثانية فهي ان احتفاءنا بالدولة المدنية وان كان مشروعاً، الاّ ان انزالها على واقعنا يحتاج الى ما هو ابعد من استخدام الباراشوت، فالمدنية ليست صفة للحكومة او للدولة، وانما للمجتمع القادر على ترسيخ مبادئها، ابتداءً من المواطنة الى العدالة الى الحرية والمشاركة، والمجتمع هنا هو الذي يستدعيها أما الحكومات – مهما كانت- فلا تستطيع ان تفرضها ولو بشرت ودعت لها طيلة الوقت.
الملاحظة الثالثة وهي ان الانتقال من الريعية الى الإنتاجية ليس مجرد شعار، وانما وقائع يفترض ان تمشي على الأرض، كما انها لا تتعلق بالاقتصاد وتفصيلاته وانما بالسياسية وافلاكها الدائرة، فلا إنتاجية ولا فاعلية في أي مجتمع تتعطل فيه عجلة السياسة، او تستمر في «ريعيتيها» بانتظار عودة العافية للاقتصاد.
الملاحظة الرابعة اننا نحتاج في مرحلة رفع الهمة الوطنية وإعادة الامل التي استلهمناها مما حدث في الأيام الستة الماضية، الى عامل آخر أهم، وهو استعادة «الثقة» بين الناس ومؤسساتهم ومسؤوليهم، واستعادتها ليس مجرد وعود وشعارات وانما أفعال ووقائع، وإذا لم يتحقق ذلك – لا سمح الله- فإن جبل الخيبات سيكبر، وعندها سيصدمنا الناس بإفراز أسوأ ما لديهم.
تبقى الملاحظة الخامسة وهي ان وظيفة الحكومة – مهما كانت شعبيتها- تقتصر على إدارة الشأن العام وتدبير أحوال الناس، الاّ انها لا تمثل إرادة الناس كما يمثلها مجلس النواب، او مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي فإن إعادة الاعتبار لدور الحكومة وولايتها يفترض ان يتزامن مع إعادة الاعتبار لدور المؤسسات، واهمها مجلس النواب، وإدامة التعاون والتنسيق بينها في اطار استقلاليتها، واذا لم نفلح في ذلك فإن الدولة ستفقد معادلة توازنها كما ان الحكومة ستجد نفسها أمام فراغ لن يملأه غيرها. ولنا ان نتصور كيف ستصبح صورتنا اذا حصل ذلك.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو