نحن الآن في موسم 'التنبؤات الفلكية' التي تجتذب إليها اهتمام ملايين البشر، وبعضهم ممَّن يلعنون في مواقفهم 'الرسمية' التنجيم والمنجمين، أو ممَّن هم في مراكز سياسية وفكرية وعلمية ومهنية يُفْتَرَض أنْ تجعلهم بمنأى عن تأثيرات المشتغلين بـ 'علم الغيب'، الذي ليس من اختصاصهم، ولا من اختصاص غيرهم من البشر، وإنْ كانوا يزعمون أنَّ عملهم بعيد كل البعد عن 'علم الغيب'، حتى لا يُكفَّروا، أو حتى لا ينتابهم الشعور بأنَّهم يحاولون أمراً يُغْضِب الله.
'الغيب' إنَّما هو من الأمور والأشياء التي ينبغي للمؤمن الإيمان بها؛ والله هو وحده 'عالِم الغيب'، أو 'علاَّم الغيوب'. و'الإيمان بالغيب' إنَّما يعني أن يؤمن المؤمن بما غاب عنه ممَّا أخْبَرَ به النبي من أمْر 'البعث'، و'الجنَّة'، و'النار'، فكلُّ ما غاب عن المؤمنين ممَّا أنبأهم به النبي هو غيب. و'عالِم الغيب'، أي الله، هو العالِم بما خفي، وبكل الأسرار، وبما سيحدث. أمَّا 'عالَم الغيب' فهو عالَم كل مجهول لا يُرى.
المؤمنون بالغيب يسعون دائما في تمييز أنفسهم عن 'المنجِّمين' و'تنجيمهم'، فـ 'الغيب'، في مفهومه الديني، ليس في متناول البشر، أبصاراً وبصائر، فالله وحده هو 'عالِم الغيب'، أو 'عَلاَّم الغيوب'. حتى الأنبياء لا يملكون شيئاً من هذا السلطان الإلهي (عِلْم الغيب) فالله يَمْنَح البشر ما يشاء، وقدر ما يشاء، من العلم والمعرفة، عبر ما يبذلونه من جهود علمية ومعرفية؛ ولكَّنه يمنع عنهم كل ما يمت بصلة إلى 'عِلْم الغيب'، الذي هو من اختصاصه وحده من دون سواه. إنَّه، أي الله، يُخْبِر أنبياءه بأمور غيبية من قبيل 'البعث'، و'الجنَّة'، و'النار'، فيُخْبِرون بها الناس أو أقوامهم؛ وعلى هؤلاء أن يُدلِّلوا على إيمانهم الديني من خلال إظهارهم الإيمان بهذه الأمور، أي بما غاب عنهم ممَّا أخْبَرَهُم به أنبياؤهم.
وعليهم، أيضاً، أن يؤمنوا بـ 'عالَم الغيب'، الذي هو عالَم المجاهيل التي لا تُرى.. لا يرونها، ولا يُمْكنهم أبداً رؤيتها، وبأنَّ الله وحده هو العالِم بما خفي، وبكل الأسرار، وبما سيحدث.
لقد كان التنبؤ بالمستقبل، وما يزال، يشغل بال الناس، فحاولوا ذلك بدءاً من مراقبة السماء، وتفحُّص أحشاء الحيوانات، انتهاءً بالاستخدام الغيبي لقطع النقود وأوراق اللعب، وغيرها. وكان أشهر المتنبئين الأوروبيين بالغيب، في القرن الرابع عشر، نوستراداموس، الطبيب والمنجِّم الفرنسي الذي ألَّف أكثر من 600 بيت شعر غامض يمكن أنْ تُفهم على أنها تنبؤ بوقوع الثورة الفرنسية وأحداث أخرى مهمة.
بعض رجال الدين القدامى، أمثال المجوس، وهم كهنة فارسيون، اكتشفوا قوَّة 'الإيحاء'، أو 'الإيحاء الذاتي'، فأقاموا طقوساً وشعائر واخترعوا رموزاً تساعد على 'تركيز الفكر'. واستمرت العبادات الوثنية المبنية على بعض هذه الطرائق حتى بعد ظهور الديانات الكبرى.
لكنَّ الكنيسة، ومنذ القرن الرابع عشر، بدأت تُحرِّم الممارسات الغيبية بصفة كونها شرَّاً. وقد أدى اضطهاد طائفة 'الألبيجيين'، التي كانت تقول بأن العالم المادي من خلق الشيطان، إلى ملاحقة السحرة في قارة أوروبا بأسرها، وبعد ذلك في الولايات المتحدة. غير أن تعذيب المتهمين بممارسة السحر وإحراقهم أشاع جواً من الهستيريا، ثم أفضى إلى تعزيز السحر.
التنجيم، على ما يُعْتَقَد، نشأ في بلاد ما بين النهرين؛ لكنَّه لم يكن تنجيماً شخصياً؛ بل كان يعنى بالشؤون العامة كالحرب والطوفان والخسوف لجهة تأثيرها بالملك الذي كان يمثِّل شؤون الدولة ومصالحها.
كما يُعتقد أنَّ هذا التقليد قد انتقل من بلاد ما بين النهرين إلى مصر، فالهند، فالصين وسائر آسيا؛ ثم انتقل إلى الإغريق، الذين أعادوا صياغة المعارف التنجيمية وفق تقاليدهم الخاصة، فهم الذين عمَّموا طريقة 'استنتاج المصائر الفردية من تاريخ الولادة' .
[email protected]
جواد البشيتي
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو