يرن هاتفك فيظهر رقم غريب أو مجهول، على الجهة الأخرى من المكالمة تفاجأ بصوت ناعم كالحرير، مدلل كآخر عنقود الأميرات، يسألك عن اسمك مباشرة: حضرتك السيد فلان؟ يرن صدى اسمك في أذنك وكأنك تسمعه للمرة الأولى؛ لم يكن جميلا وحنونا قبل الآن، ما أحلى اسمك اليوم حتي لو كان “شرشبيل”!
هذه بداية مكالمات ما بعد الساعة الواحدة ظهرا. تقريبا يتلقى كل منا إمرأة كانت أم رجلا، واحدة أو اثنتين منها من بائعات سلع أو خدمات مختلفة الأنواع والأشكال أسبوعيا، يتحدثن إلينا بكل انسيابية واعتياد وكأن الواحدة منهن قريبة أو صديقة مقربة، لمحاولة بيع المنتجات المكلفات بتسويقها، أيا كانت.
طبعا عندما تكون الفئة المستهدفة من البيع هي المرأة، فإن كمية الدلال والدلع على الخط تخف قليلا، لاعتبارات معروفة لدى الجميع! لكن مالا أفهمه هو إصرار تلك الشركات على استخدام مثل ذلك الأسلوب الرخيص للإعلان عن موادهم التسويقية، سواء كانت حجوزات في فنادق أو منتجعات سياحية، أو اشتراكات في نوادي صحية أو لإشهار شركات تأمين أو حتى لشراء فلاتر مياه!
ما يدعو للقلق حقا هو حجم الضغوط التي أتخيل أنها تمارس على الفتيات من قبل أصحاب العمل، لإجبارهن على اتباع أساليب تسويقية غير مهنية، تقوم فقط على استغلال أنوثتهن إلى حدود بعيدة جدا، كما نسمع عن تجارب كثيرين، ممن وقعوا في براثن هذه الشركات، أو لنقل بصراحة وقعوا في شرك رغباتهم وشهواتهم، بمجرد الرد على هواتف ما بعد الظهر إياها، وبلورة أطماعهم على حسب درجة الدلع و”المياصة” المقدمة كخدمة مجانية من الطرف الآخر.
هؤلاء جميعا إن لم يكن غالبيتهم لم يقابل الواحد منهم ذات الصوت الأجش الساحر على أرض الواقع ولا مرة واحدة في حياته، ولن يقابلها أبدا. لماذا ؟ لأن الشركة المحترمة والتي تفرض على الصبايا أداء أدوارهن التسويقية بطرق غير أخلاقية، تضمن لهن عدم التعرض لمواقف مؤذية ومحرجة بعد انتهاء المكالمة، والإيقاع بالزبون الذكي. فبعد تحديد الموعد يفاجأ المتيم الولهان بحضور زميل أنيق ومهذب، ومدرب دائما للرد على السؤال الأول؛ أين التي كانت تحدثني أمس؟!
هذا الإجراء الذي يعتبره أصحاب الشركات وقائيا ومحافظا، لأنه لا يخدش أخلاق الفتاة الموظفة ولا يعرضها للتحرش المباشر، لا ينفي عنهم دناءة الاستغلال وسوء التفسير، بحيث لا يمكن التعرف إليهن من قبل أي كان، خصوصا أن الأرقام التي يستخدمنها إما تكون غير ظاهرة، أو تابعة لمقسم تشتغل عليه عشرات الأصوات. لكن، هل يعتبر هذا التبرير كافيا لفهم آلية التعامل مع المرأة كجزء من المادة التسويقية المراد بيعها؟ فحتى لو كان دورها لا يتعدى الدلع على الهاتف لتحديد موعد لزميل جاهز بحقيبته لإكمال المهمة، ألا يعتبر هذا تعرضا واضحا ومباشرا لمواقف إذلال وتحرش وتهكم في بعض الأحيان، من قبل المجيبين من أصحاب النفوس والضمائر الضعيفة؟ بطبيعة الحال إن كان المجيب إمرأة مثلا، فالتعامل يكون نديا ويمر بشكل عادي في غالبية التجارب.
إنما حين تكون “الصيدة” رجلا لا يعرف أساسه من أصله من أخلاقه مسبقا، فهنا تستثمر الشركات حنجرة البنت ودلالها الذي تدربت على استخدامه، للتعامل معه.
لن أضيف جديدا عندما أتخيل ظروف كثير من تلك الفتيات اللواتي اضطرتهن ظروفهن المادية للقبول بأداء مثل تلك الأدوار، وهن اللواتي وقعن في الفخ الأول حين توجهن لمقابلة أصحاب عمل أعلنوا عن فتيات مطلوبات للعمل في قطاع تسويقي أو إعلاني. وبالمناسبة فما علمته من إحداهن ممن اتصلن بي لتسويق منتجات تجميلية، أن راتب الواحدة لا يتعدى المائتي دينار إن لم يكن أقل، لكن “الرك” على عدد الزبائن الذين تنجح بالاتفاق معهم، فتتحصل على نسبة بسيطة من العقد إن تم، وهذا مالا ينجح كثيرا، حين تكون نوايا الزبون في واد آخر!
أتمنى أن يصبح لدينا قوانين منظمة للأعمال التسويقية والإعلانية، تحفظ للعاملات والعاملين فيها كرامتهم، ولا تعرضهم للشتيمة أو الاستغلال البشع سواء من أصحاب العمل أو من الفئة المستهدفة للبيع.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو