من الضروري، تماماً، أن نوضّح اليوم لأنفسنا، أو أن نجيب معاً عن السؤال الجوهري: ما المقصود بالوطنية، وحماية الهوية الوطنية الأردنية؟ وفيما إذا كانت تُختزل في شريحة معينة أو فئة سياسية، أم أنّ المقصود بها كل المواطنين الأردنيين الذين يمتلكون صفة 'المواطنة'، وواجباتها وحقوقها؟
ومن الضروري، كذلك، أن نميّز بين المعنى الحقيقي، والمعاني المزوّرة التي بدأت تطفو على السطح باسم الوطنية، وتختطف هذا المفهوم نحو مآرب شخصية وفئوية، وتضعه في مربّعات خطرة. وكذلك إلصاق صورة نمطية به، تعني: الخطاب الغرائزي، الاستقواء على القانون والدولة، محاربة الإصلاح السياسي، ممانعة الحقوق المدنية، التشكيك في مفهوم المواطنة.. إلخ.
يترتب على ذلك، أيضاً، تمييز الوطني الحقيقي من المزّيف، حتى لا يركب هذه الموجة كل شخص فاسد أو ضال أو صاحب أجندة شخصية وإقليمية؛ يخاطب المخاوف الغرائزية لدى المجتمع، ويؤجّج مشاعر الاحتقان، ويفخّخ المناخات السياسية والاجتماعية، بانتظار من يشعل عود الثقاب، في وضع معبأ أصلاً برائحة الإحباط وخيبات الأمل من الأوضاع الاقتصادية؛ من أزمة مالية وبطالة وفقر وحرمان اجتماعي وفجوة طبقية.
في قلب هذا النقاش، يأتي التمييز، ثالثاً، بين العشائر و'العشائرية'. فالعشائر بوصفها بنية اجتماعية أساسية رئيسة في المجتمع الأردني، وقيماً نبيلة إيجابية، تمثّل جزءاً مهمّاً من رأس المال الاجتماعي، وعموداً للاستقرار السياسي والسلم الأهلي، كما هو دورها المشهود خلال العقود الماضية، ومساهمتها الفعّالة أيضاً في رفد القطاع العام والدولة بأبنائها، الذين فادوا واستفادوا من ذلك التزاوج التاريخي، فخلق خلال العقود الماضية أحد أفضل القطاعات العامة الإقليمية في المنطقة.
أمّا العشائرية، فلا علاقة لها بذلك الدور على الإطلاق؛ هي آفة تضرب العلاقة بين المجتمع والدولة اليوم، وهي تنمّر على القانون والدولة، وأداة من أدوات التوظيف السياسي الداخلي التي أدت إلى نتائج كارثية وخطرة، ندفع ثمنها اليوم في العنف الاجتماعي والجامعي وحرب الثانوية العامة، وسياسات الاسترضاء التي جذّرت الأزمات الاقتصادية والسياسية، وضربت كفاءة المؤسسات العامة وسبّبت خللاً كبيرا في الموازنة العامة!
ربما هذا وذاك يقودنا إلى السؤال الثالث الأهم: ما هي الدولة التي نريد في المستقبل؟ هل هي دولة مدنية تلتزم بسيادة القانون ومعيار المواطنة والكفاءة، أساساً في علاقتها بالأفراد؟ هل هي دولة مؤسسات حديثة واقتصاد ناجح فعّال، وبحيث تكون العشائر جزءا من ماكينة السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي ورأس المال الاجتماعي، أم دولة عشائرية؛ يخضع فيها القانون وترضخ المؤسسات والسياسات لمنطق هلامي فضفاض؟ لدينا قوانين وأعراف وقيم ومعايير متعددة ومتضاربة في ترسيم المعادلة السياسية!
المشكلة لم تكن في يوم من الأيام في العشائر، فهي ما نفخر به ونفاخر، إنّما في نتائج وفشل السياسات الرسمية وانحرافها وانجرافها إلى 'تفجير' العشائر، واستخراج 'بنى مشوّهة' ممزّقة تعكس حالة الأزمة والتراجع والتفكك، وأفراداً مستفيدين من هذه التربة السامّة، يقدمون لنا خطاباً غرائزياً فاسداً ملوّثاً!
الوطنية هي المواطنة الصالحة. والسياسي الوطني هو الذي يتحدث باسم الشعب كاملاً، ويخشى على مصالح الوطن بعمومه، وينظر إلى المستقبل بروح عقلانية ومنفتحة، وبمنطق الجماعة الوطنية التي تتوافق على المصالح العليا. أمّا الخطابات الفئوية المتبادلة، فلا تعكس سوى مصالح ضيّقة، وروح مهزومة!
فقط بالتوافق والتفاهم الداخليين، وبمنطق الجماعة الوطنية الجامعة، يمكن أن نواجه المخاوف المشروعة من المشروع الصهيوني وما قد يحمله وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، من أفكار في الاتجاه ذاته؛ ونساعد 'صانع القرار' في مقاومة هذه الضغوط، التي قد يرى أنّها ستنقل الأزمة من إسرائيل إلى الأردن؛ لا بتفجير أنفسنا قبل أن يأتي الرجل إلينا!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو