الأحد 2024-12-15 09:50 ص
 

وأنتم .. ألا تسرفون!

07:50 ص

طالما عاير المسؤولون المجتمع الأردني بنمط استهلاكه المشوه، وهم محقون بذلك، فتجد عند المواطن، كما يقول المسؤولون، أكثر من خط هاتف خلوي، وربما أكثر من سيارة، وغير ذلك الكثير من الدلالات على تبدل النمط الاستهلاكي للأسرة الأردنية على مدى العقدين أو الثلاثة الماضية.

اضافة اعلان


التحول في أسلوب الاستهلاك وتركيبة سلة المستهلك، جاءنا نتيجة نقل ثقافات المجتمعات الخليجية من قبل المغتربين وأسرهم أولا، وثانيا نتيجة الانفتاح العالمي ونهج الاقتصاد المحلي المفتوح، إضافة إلى الثورة التكنولوجية.


بالنتيجة، صرنا مجتمعات استهلاكية وغير منتجة، وعمّق الأزمة ضعف التخطيط الرسمي لزيادة إنتاجية الأردني المعطلة، إذ أن نحو ثلثي قوى الإنتاج معطلة، ونسبة كبيرة من المجتمع ما تزال تعتمد على القطاع العام غير المنتج أيضا.


هذا التشوه في الاستهلاك أضعف موقف المواطن أمام الحكومات، وظل على الدوام مبررا للحكومة في اتخاذ قرارات لزيادة الإيرادات، والتي ساهمت دائما في إثقال كاهل المواطن وضغطت على دخله.


تملُّك المستهلك أكثر من جهاز خلوي، مثلا، كان سببا لزيادة الضرائب على اتصالات الخلوي، فيما رأت الحكومة في توسع المواطنين باقتناء المركبات الخاصة سببا وجيها لتحرير قطاع الطاقة، وإخضاعه إلى معادلة شهرية ترفعه أو تخفضه بسببها، ورأت في سعي المواطن خلف مستوردات معينة سببا في استهدافها بمزيد من الضرائب.


في مقالي السابق 'المواطن غارق بالدين كحكومته'، قلت إننا فعلا نشبه حكوماتنا في حجم الدين، اذ يبلغ عبء الدين على الفرد حوالي 70 % من دخله، تماما مثل خزينة حكوماتنا الغارقة حتى أذنيها في دين عام وصل حدودا تدق ناقوس الخطر.


التشابه بين المجتمع وحكومته لا يتوقف عند هذا الحد، بل يكمن أيضا في النمط الاستهلاكي أو الإنفاق المشوه الذي لا ينسجم مع حجم مداخيل الأسر، كما لا يتماشى مع حجم الموارد المحلية للدولة.


حكوماتنا، وعلى مدى العقد الماضي وربما أكثر، توسعت في الإنفاق العام بما هو غير مستساغ لدخل دولة فقيرة مثل الأردن، ومحدودة الموارد والثروات، فنجد النمط الاستهلاكي والإنفاق التفاخري بلا ضوابط. حجم الإنفاق عند الحكومات زاد من دون حساب، ومن دون أخذ الإمكانيات المحلية بعين الاعتبار. فخلال سبع سنوات نما هذا الإنفاق من حوالي 5.7 مليار دينار إلى نحو9 مليارات دينار، بكل ما يندرج تحت هذا الرقم من إنفاق تفاخري لنفقات غير ضرورية.


إن كنا نناقش أخطاء الإنفاق والاستهلاك عند الفرد الأردني، فهل يمكن أن تخبرنا الحكومة لماذا ارتفع الدين إلى هذا القدر، ولماذا نمت فاتورة التقاعد رغم وجود مؤسسة الضمان الاجتماعي التي يخضع لمظلتها الجميع؛ عسكريين ومدنيين؟


وإن كان الفرد غير واقعي ويعيش أكثر من إمكانياته، فالحكومات تفعل ذلك أيضا. وإن كان المجتمع غير قادر على إدارة موارده بمنطق الحقائق والواقع القائم، فحكوماتنا وضعها أكثر سوءا بكثير لأننا نفترض أن من يدين فعلا لا يأتي بمثله.


بالنتيجة، أنتم أيضا تسرفون وتأتون بما ترفضون وتنتقدون، ولذلك على المسؤولين قبل أن يتهموا المواطن أن ينظروا في المرآة ليعترفوا بعيوبهم ويقرّوا أن نمطهم الاستهلاكي أوصلنا لكل ما نحن فيه من سوء؟ ووفقا للنتيجة السابقة والتشابه بين الأردني وحكومته في نمط الإنفاق المشوه، فأظن أن من المفيد ان يراجع الجميع سلوكه ويعدله.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة