من الأخطاء الكبيرة التي نقع فيها، خلال متابعة تطور الأحداث في سورية، افتراضنا أنّ 'داعش' عبارة عن مجموعة مسلحة متطرفة؛ وهذا اختزال سطحي. فهي قبل ذلك ثقافة تنتشر وتتمدد ليس فقط في سورية والعراق، بل في العديد من المجتمعات العربية!
لم يكن من الصعوبة بمكان على بشار الأسد أن يوظف كل ما يملك من معدات وأسلحة وجيوش للقضاء على الثورة السلمية، في بداياتها، لتتحول لاحقاً إلى ثورة مسلّحة. ومع تغوّل النظام السوري أكثر في استخدام أساليب القتل والتدمير، وزيادة المعاناة الإنسانية وانعدام الشعور بالأمن، فإنّ رد الفعل سيتمثّل في تفريخ المزيد من شروط الصعود والنمو والتطرف في المجتمعات العربية والمسلمة، وتفخيخ هذه المجتمعات عبر تعبئة الروح الطائفية وتزويدها بما تحتاجه من وقود الانفجار!
إذا أردت أن تقرأ المستقبل في ضوء السياق الراهن، فما عليك إلاّ أن تشاهد بعض 'الأفلام الوثائقية' التي تصدرها مؤسستا 'الاعتصام' و'الفرقان'، التابعتان لهذا التنظيم، في كلّ من سورية والعراق، عن جهوده في تنشئة وإعداد الأجيال الجديدة. حيث تشاهد جيلاً جديداً من الأطفال الصغار يتربّى على ويتغذّى من هذه الحالة المتطرفة، وترى كيف تتم عملية غسيل الدماغ لهذه الأجيال الجديدة، في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. ولا أظن أن الحال ستختلف كثيراً في المناطق الأخرى التي تهيمن عليها تنظيمات إسلامية أخرى قريبة أيديولوجيا من هذا الخط، وإن اختلفت معه سياسياً!
تتمثّل 'المشاكلة' المؤلمة في التزاوج بين صعود هذه الجماعات ونموها في كل من العراق وسورية ولبنان، من جهة، وتبنّي هذه الجماعات للعمليات الانتحارية بصورة مكثّفة غير مسبوقة، من جهة أخرى؛ فكأنّ هذه الجماعات هي مؤشر 'الانتحار الرمزي' والحضاري والثقافي، واستقالة الشعوب العربية من عصر العقل والسياسة، والدخول في عصور مرعبة ومقلقة، تترعرع في أحشائها ثقافة 'داعش' وتنمو وتتمدد! وربما غداً سنصدم بحالة ترى فيه 'داعش' نفسها دون المستوى المطلوب من الدمار!
ما أريد الوصول إليه، مرّة أخرى، هو أنّ هذه الحالة الكارثية ليست إلاّ ارتداداً معكوساً للحظة التاريخية الحالية، ولمآل السياسات الرسمية العربية، ولإصرار النظام العربي على مقاومة حق الشعوب في الحرية والديمقراطية والتحرر؛ سواء كان ذلك الإصرار عبر البراميل المتفجرة، والاعتقال، والقتل، أو عبر أحكام الإعدامات وحياكة المؤامرات لتنفيذ أجندة 'الثورة المضادة'، أو التفنن في التهرّب من استحقاقات الإصلاح!
يكفي التذكير بأنّ الآلاف من عناصر 'داعش' ليسوا سوريين؛ هم عراقيون وسعوديون وأردنيون ومغاربة ومصريون ويمنيون وليبيون.. أي إنّ هذا الجيل ليس معزولاً في قفص، وهذه الحالة هي سياق أعمّ وأكبر من المشهد السوري!
الملاحظة الأخيرة هي أنّ المستوى الفني لهذه الأفلام (التي تنتجها 'داعش') عالي الجودة، وحجم التأثير والإعداد ملموس، بما يتجاوز كثيراً مستوى الإعلام العربي الرسمي. وذلك يعكس وجود خبراء في التكنولوجيا والإعداد على مستوى عالٍ في كوادر هذا التنظيم!
وقد تكون النكتة اللافتة في أغلب هذا الانتاج، أنّ الأفلام التي تحتوي على قتل ومشاهد مرعبة للعمليات، يتم تحذير المشاهدين منها بوضع علامة '18+'، أي مثل أفلام الرعب المحظورة على الصغار وذوي القلوب الضعيفة. لكن الحقيقة أنّ قصة 'داعش' نفسها هي أكبر فيلم رعب، بما يتجاوز حدود الخيال. والفضل في ذلك يعود لأولئك الذين لا يدركون ولا يفهمون معنى الإصلاح وأهميته، وخطورة البدائل الأخرى!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو