الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

تسريب “باندورا”: نظرة قانونية



ستظل الصحافة المحلية والدولية الاخبارية عموما والاستقصائية خصوصا، السلطة الرابعة التي تسهم في تكريس الحاكمية الرشيدة، ولكن علينا ان نتذكر ان الصحافة عموما والدولية خصوصا ليست منزهة، وان تحلي الاخيرة بهامش كبير من الحرية لا يعني صدقها أو مصداقيتها دائما.اضافة اعلان


اطلعت كمحام على تقرير أوراق باندورا الذي نشر يوم الاحد الماضي، وهو من اعداد اتحاد الصحفيين الاستقصائيين، ويذكر ان هذا الاتحاد نشر عدة تقارير سابقة حول شركات الملاذات الآمنة، ولم يذكر اي شيء عن الملك عبد الله الثاني، فلماذا الآن، ولماذا هذه المرة؟! علما أن هناك مؤشرات تؤكد ان معلومات التقرير ذاتها أخذت بطريق غير قانوني.
على كل حال فإن التقرير وبقراءة عين قانونية لا يصنف انه تقرير حيادي مهني، فقد استخدم لغة “تشكيكية” حيث بدأ بالحديث عن مظاهرات وكأنها تحصل في عمان الآن، وأوحت لغة التقرير أن الشركات المسجلة في الخارج وخاصة في الملاذات الآمنة، وكأنها عمل “تهربي” غير قانوني، والحقيقة ان تسجيل الشركات في هذه الملاذات هي آلية قانونية مستخدمة عالميا وعلى نطاق واسع، وهي غير متعارضة مع القانون الأردني لا شكلا ولا مضمونا.
كما أوحى التقرير ان تسجيل عقارات باسم شركات في مناطق الملاذات الآمنة – اي المعفاة من الضريبة- هو بقصد التهرب من الضريبة، والحقيقة التي تغافل عنها التقرير هي أن الملك في الأردن معفي من الضرائب بموجب القانون، وبالتالي فإن اللجوء لهذا النوع من الشركات لا يمكن ان يكون لغايات غير قانونية او بهدف التهرب الضريبي. موقع الملك كرئيس دولة يستوجب المحافظة على خصوصية وسلامة الملك والتكتم على اماكن اقامته، لكن التقرير جاء بلغة تغمز، وكأن تسجيل العقارات تحت اسم هذه الشركات يقصد منه التهرب، والحقيقة انني لو استشرت الآن كمحام عن طريقة قانونية لتسجيل هذه العقارات، وآخذ بمركز وطبيعة صاحب العلاقة كرئيس دولة، لأشرت بتسجيلها باسم شركات ملاذ آمن.
ليس في التقرير ما يشير الى سنده في تحديد قيمة العقارات المسجلة باسم هذه الشركات، علما أن التقرير تضمن عدم الاطلاع على عقود شراء تلك العقارات، ولا نعرف حتى الآن هل قيمة العقارات المذكورة هي قيمتها عند الشراء أم قيمتها الآن؟ وخاصة وان بيان الديوان الملكي الهاشمي أشار الى ان بعض تلك العقارات وصلت الملك بطريق الإرث.

غمز التقرير بربطه بين قيمة العقارات وبين الوضع الاقتصادي الذي يمر به الأردن، وكأن العقارات قد تم شراؤها من المال العام، إن ارقام الموازنة في الأردن هي قانون يصدر عن البرلمان، ولم يكن شراء عقار خارج الأردن باسم الملك بندا في موازنات الدولة كافة وخاصة منذ 1999 .
أيضا غمز التقرير بين امتلاك العقارات وبين المساعدات الحكومية التي وردت وترد للأردن، وقد رد بعض المسؤولين الاميركان ان مساعدات اميركا للأردن تخضع لإجراءات تدقيق صارمة، وكذلك جميع المساعدات الاخرى التي ليست “كاش” يرسل في اكياس، بل هي اتفاقيات واجراءات مالية وقانونية دقيقة.

أخيرا استحضر التقرير أشخاص قضية الفتنة، في سياق غريب عجيب ليس له علاقة لا بالشركات ولا بالعقارات، على نحو يبدي ان التقرير كله استمرار او استدعاء لتلك الفتنة! وهذا يثبت من ناحية قانونية بحتة ان التقرير في جزئه المتعلق بالأردن ليس المقصود منه استقصاء الحقائق المخفية ونشرها على الناس، لا بل ان طريقة صياغته وتوقيت نشره يعتبر عملا تشهيريا مؤسسيا منظما، وقد اشار بيان الديوان الى احتفاظه بحقه باتخاذ اجراءات قانونية ضده، وانا كمحام أنصح ألا يتاخر اتخاذ مثل هذا الاجراء.
احترمت شجاعة البيان الصادر عن الديوان، ووضوح منطقه، والذي اكد قانونية الاجراءات المتخذة، وان تسجيل العقارات بموجب شركات هو لأسباب مشروعة تتعلق بسلامة الملك وعائلته أمنيا، وليس القصد منه التستر على عمل او اجراء غير قانوني، فهو ليس اعتداء على المال العام او المساعدات التي وصلت الأردن.

الدور الذي يقوده الأردن وجلالة الملك في المنطقة الآن، إضافة الى موقفهما من القضية الفلسطينية، جعلت لهما اعداء كثرا، ويبدو اننا أسدلنا الستار على قضية الفتنة مبكرا، وأعتقد أن إغفال انّ امرا يحاك ضد الأردن منذ صفقة القرن ومن اصحاب ومريدي صفقة القرن، سواء من هم خارج او داخل السلطة، ما يزال مستمرا، والقول بغير هذا هو بساطة سياسية غير واقعية، فاهم علي جنابك؟!