الأربعاء 01-05-2024
الوكيل الاخباري
 

تعليم منزوع الدسم



هـ. خ. طالب نجيب تخرج في مدرسة خاصة(أ) وحصل على علامة تسعينية في الثانوية العامة في الفرع العلمي، والتحق بجامعة حكومية وتخصص في الصيدلة، وتخرج فيها بمرتبة عالية، وفي أثناء عمله ولفترة قصيرة في قطاع الصيدلة الخاص، حصل على منحة أوروبية لدراسة التكنولوجيا الحيوية في جامعة بولندية متقدمة في مدينة بوزنان التي تعلّم باللغة الإنجليزية.اضافة اعلان


ولكن مجرد حصوله على المنحة لم يكن كافياً لقبوله في الجامعة بل كان عليه الخضوع لمقابلة «أون لاين» مع لجنة من ثلاثة أساتذة طرحوا عليه بعض الأسئلة وناقشوه فقبلته الجامعة والتحق بها بعد أن أوصت اللجنة بذلك.

ولما كنت على علاقة بهذا الشاب المجتهد، فقد أخذت أتابع دراسته الجديدة واتصل به أولاً بأول لتخفيف الصدمة الثقافية عليه وتسريع اندماجه في الجامعة والمجتمع هناك.

وقد ذهل منذ الأسبوع الأول الذي التحق فيه بإعطاء طلبة الماجستير واجبات تقوم على البحث الفعلي وقد لاقى صعوبة كبيرة في ذلك لأنه لم يتعلم مثله في المدرسة أو الجامعة السابقة. ولكنه صبر واجتهد واستفاد من بعض زملائه. لقد اكتشف أن المدرسة لم تعلمه قواعد الترقيم والإيقاع، والجامعة لم تكلفه يومياً بإجراء بحث.

هذه المناسبة تكفي للدلالة على ان التعليم المدرسي والجامعي في الاردن خال من الدسم أي من أولويات البحث ومناهج أو مبادئ البحث وإجراءاته.

إنهم يتعلمونها كمعلومات غير مترجمة بالإجراءات، فالتعليم المدرسي والجامعي في بلدنا العزيز لا يزال تقليدياً تلقينيا «وصمياً» لا يمكن خريجه من السباحة الناجحة في تيارات الحياة الصاخبة فيما بعد.

تبين هذه الحالة أن الجامعات الأردنية ليست سوى مدارس ثانوية كبيرة مختلطة، وبخاصة بعدما أخذ يفترسها خريجو جامعات بزنسية او وهمية، ويرتقون في سلم إداراتها. وإذا لم تتدارك هذه الحالة قبل استفحالها فإنها ستتراجع في عالم متغير وسريع التغيير، حيث الجميع يركضون ويلهثون للإمساك به والحركة معه.

أي إنه عالم يقوم على البحث الذي يتم بوساطته الاكتشاف والاختراع والتطوير والانتاج وفي سباق أو تنافس محموم مع الآخرين. وعليه فقد آن الآوان لإلغاء الطريقة التقليدية في التعلم والتعليم أي بوضع مناهج ثابتة وتأليف كتب مدرسية وجامعية جامدة.

البديل تعليم الأطفال في المدرسة والطلبة في الجامعة مبادئ المنهج العلمي نظرياً وإجرائياً، أي قيامهم بدور العالم في الموضوع ذي العلاقة، فإذا كان التاريخ هو الموضوع فانهم يقومون بدور المؤرخ، وإذا كان علم الأحياء هو الموضوع فانهم يقومون بدور عالم الأحياء، وهكذا.

وليتم ذلك وبخاصة في عصر الانترنت يمكن أن يقوم الأطفال في المدرسة والطلبة في الجامعة بتأليف كتبهم في المواد الدراسية المختلفة أولاً بأول، فعندئذ يقتصر المنهاج على رؤوس أقلام في كل درس، يطلب منهم بعد ذلك ترجمتها أولاً بأول بالبحث فيها بالمكتبة أو بالمختبر أو في الميدان، أو من خلال وسائط التواصل الاجتماعي وبخاصة جوجل والويكيبيديا.

كانت المناهج والكتب المقررة المفصلة والأدلة المرافقة لازمة عندما كانت المصدر الوحيد للتعلم والتعليم. وبعبارة أخرى يجب أن تبدأ بذور البحث والتحري والاستقصاء من الروضة وأن تستمر في بقية المراحل لتزهر وتثمر وتعطي.

لم يعد الاكتفاء بتعلم وتعليم المعلومات يكفي، فالمعلومات متوافرة ومتاحة في كتاب أو قرص أو ذاكرة ضوئية لكل من يطلبها أو يبحث عنها بلمسات للشاشة. ولكنها تظل أشبه بطاقة الوضع أي لا قيمة لها ما لم تتحول إلى مهارة أو معرفة فعندئذ تتحول إلى طاقة حركة. ويصبح التعليم دسماً والأطفال والطلبة في شوق لتعاطيه.

أما الموضوع الثاني المهم للغاية فهو تنمية الوعي الثقافي العام والخاص عند الأطفال في المدرسة والطلبة في الجامعة الغائب او شبه المحظور إلى اليوم. لكن الأحداث المحلية والاقليمية والعالمية والعولمة تقضي بمعرفتهم لمكانهم أو لمركزهم وبلدهم في هذا العالم، وكيف يجب أن يتصرفوا وأن يعيشوا فيهما.

للقضاء على الجهل الثقافي وتجنباً نقدياً لخطفهم فكرياً من مصادر غير معلومة أو غير مسؤولة، يجب تخصيص حصة أسبوعية واحدة على الأقل في المدرسة، وفي كل مساق أو تخصص أو قسم في الجامعة للحوار والمناقشة المفتوحة لكل ما يخطر على البال وما يدور في الوطن والعالم من أحداث، وبحيث يتاح للأطفال في المدرسة والطلبة في الجامعة طرح الأسئلة والآراء والأفكار بحرية دون السخرية منها مهما كانت، ودعوة مثقفين من الخارج للمشاركة فيها أو للمحاضرة «الاستفزازية» فيها.

لعل هذه الحصة ضرورية للغاية لرفع سوية التفكير والتفكير الناقد والوعي السياسي والثقافي. كما أنها تدفع المعلمين والمعلمات والأساتذة والاستاذات إلى توسيع ثقافتهم بالتعلم الدائم.

بدون هذه الحصة أو الفرصة سيظل الأطفال والطلبة يتخرجون في المدرسة والجامعة شبه أميين سياسياً وثقافياً، وغير قادرين على السباحة في تيارات العولمة المتلاطمة.

غداً سيرد عليك أحد الكتاب أنك تتحدث عن حالة واحدة، وعن خيال غير قابل للتحقيق فأرد عليه بتحديهم إجراء بحوث جدية في هذا الموضوع وذاك، الذي لا يكاد ينجو منهما طالب/ة أردني/ة يلتحق بجامعة أوروبية أو أمريكية معتمدة.