الثلاثاء 30-04-2024
الوكيل الاخباري
 

كنتُ أنا – السفينة



إيه على الأيام..كان نوح يصنعني..كان الفقراء المؤمنون القليلون يعملون بروفاتهم بالصعود والنزول فوق ظهري؛ يضحكون كثيراً؛ يتمازحون..نوح يتصبّب عرقاً وهو ينظر إليهم وأنا تحت يديه لا أتألم من المسامير ومن شدّ الحبال..كان الطَّرْقُ والخبطُ (على ودنه) وعلى مدار الساعة..رغم كلّ ذلك كنت أبتسم ومبسوطة على الآخر؛ لأنّ لي هدفاً محدّداً وهو (انقاذ نسبة من البشرية وزجين اثنين من كل شيء) ليبدأ العالم من جديد..! ركبني أصحاب العالم الجديد وأخذتهم وسط الطوفان إلى الجوديّ؛ ومن هناك بدأت حكايتهم ..اضافة اعلان


الحمار والحمارة اللذان فوق ظهري كان حوارهما النهيقي يليق بالحضارة..الخروفان كانا بمنتهى الذوق..حتى الدجاجة كانت على انسجام كامل مع ديكها والديك لم يفكّر أبداً بالنظر لأية دجاجة أخرى؛ أصلاً لم تكن هناك أخرى..! كنتُ أعرف كلّ الزوجين الاثنين من غير البشر؛ لم يختلفا ولم يخرجا عن كل المخلوقين من أجله..إلاّ البشر..كانوا فوق ظهري؛ كانوا بمنتهى الرحمة والحنيّة والطوفان شغّال..وما أن علموا أن عقاب الله قد انتهى..وأن العالم كلّه لهم الآن؛ حتى كشّروا عن انيابهم؛ وهات يا نميمة؛ وهات يا مكائد وهات يا حسد وحقد وقال فلان وقالت فلانة..! وابتدأ الشر من جديد؛ ولكن بطبعة مزيدة ومنقحة..

كنتُ أنا السفينة أيام نوح..من لحق بي نجا..ومن تركني ضاع..والآن لا يراني أحد..ولا يركبني أحد..ولكنني أعرف كلّ ما جرى..وإذا ما جاء الطوفان من جديد؛ فلن يركب ظهري إلاّ زوجان اثنان من البشر فقط لا غير مثلهم مثل البقية لتبدأ حكاية آدم وحواء من نقطة الصفر لأرى بعدها كم يحتاج هذا العالم من السنوات ليصنع حروباً وخرائط ولأرى هل سيكون كامل النصيرات بطلاً تاريخيّاً أم يمرّ في الحياة وكأنه لم يولد من الأصل..!
كنتُ أنا السفينة؛ وما زلت..ولن يركبني أحد. أنا ومن بعدي الطوفان..!