ولا يُعد تمكين الأمهات مجرد تقديم تدريبات أو جلسات توعية، بل هو نهج متكامل يهدف إلى تعزيز القدرات النفسية والمعرفية والاجتماعية لهن، وتمكينهن من التعامل مع أبنائهن بوعي واحتواء، وفهم أعمق لمتطلباتهم وسلوكياتهم، بما ينعكس إيجابًا على جودة حياتهم، ويُسهم في دعم اندماجهم المجتمعي.
وكشف مختصون أن هذه البرامج تعتبر ضرورة، ومسؤولية مجتمعية لا يمكن التغاضي عنها، وأن دعم الأمهات يعني دعم مستقبل جيل كامل من الأطفال القادرين على الإبداع والمشاركة، إذا ما توفرت لهم البيئة الداعمة.
ودعمًا لهذا التوجه، أطلقت مبادرة "سامر طيف الحب"، إحدى المبادرات الأردنية الداعمة للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد وأسرهم، برنامجًا تدريبيًّا متخصصًا، يستهدف تمكين الأمهات نفسيًّا وتربويًّا لمواجهة التحديات اليومية.
وأكد رئيس الجمعية الأردنية لاضطراب طيف التوحد ومؤسس المبادرة، موفق الزامل، أن البرنامج يسعى إلى تمكين الأمهات بمهارات التعامل الفعّال مع أطفالهن في المنزل والمجتمع بشكل مستدام، على مدار عام كامل، عبر محاضرات يقدمها مختصون في التربية الخاصة والعلاج السلوكي والنفسي، لتكون الأمهات قادرات على مواجهة تحديات التربية بطريقة علمية وفعّالة ضمن بيئة أسرية داعمة.
وأشار إلى أن التمكين التربوي للأمهات يُعد ركيزة أساسية لتحسين جودة حياة الطفل والأسرة، موضحًا أن البرنامج يركز على إدارة الأزمات اليومية، والتحمّل النفسي، وفهم أساليب العلاج الفعّالة، ما يعزز دور الأسرة كمحيط داعم للطفل.
وبيّن الزامل أن الأثر كان واضحًا في تغير طريقة تفكير الأمهات المشاركات، وزيادة ثقتهن بقدرتهن على التعامل مع التحديات، مشيرًا إلى أن اللقاءات المنتظمة بين الأمهات أوجدت بيئة دعم متبادلة ساعدت في تبادل التجارب والخبرات.
وفيما يتعلق بالتطلعات، أشار الزامل إلى سعي المبادرة لتوسيع نطاقها مستقبلًا، إما عبر زيادة عدد المشاركات أو إطلاق البرنامج في مناطق جديدة، بما يُسهم في تعميم الفائدة وتعزيز التمكين الأسري المستدام.
ومن جهته، قال الخبير الأكاديمي والتربوي وعضو هيئة التدريس في الجامعة الأردنية، الدكتور محمد الجابري، إن التمكين التربوي يعد أحد المحاور الرئيسة في تمكين الأسرة بشكل عام، والأم بشكل خاص، إذ يهدف إلى تزويد الأم بالمعرفة والمهارات التي تمكّنها من فهم طفلها والتعامل مع سلوكياته بثقة نابعة من وعي علمي ومهارات عملية.
وأوضح أن هذا الوعي يُحدث تغييرًا في أسلوب الاستجابة لسلوك الطفل، حين تدرك الأم أن كل سلوك يصدر عنه هو رسالة تعبّر عن حاجة، موضحًا أنه بذلك يتحوّل المنزل إلى مساحة دعم آمنة وبيئة تعليم واقعية، تترك أثرها داخل الأسرة ويمتد تأثيرها إلى المجتمع، وبهذا يغدو التمكين أداة فاعلة لبناء أسرة أكثر تماسكًا وقدرة.
وبيّن الجابري أن الأدوات التربوية تشمل استراتيجيات عملية مثل تعديل السلوك، وتطوير آليات التواصل الفعّال، وإنشاء روتين منزلي تعليمي يُستثمر من خلاله المواقف اليومية لتدعيم استقلالية الطفل، قائلًا إن التدريب المستمر على هذه الأدوات يُكسب الأم قدرة على قراءة سلوك طفلها وفهم احتياجاته بعمق، ما يجعلها شريكًا رئيسيًا في رحلة تعليم ونمو طفلها داخل المنزل.
وأكد أن التمكين التربوي يتيح للأم استخدام المعرفة والأدوات لتوجيه طفلها بثقة، في بيئة منزلية غنية بالتعلّم والممارسة والدعم النفسي والعاطفي، مشيرًا إلى أن هذه البيئة تساعد الطفل على اكتساب مهارات وظيفية تُسهم في تعليمه وتكيّفه المدرسي والاجتماعي، لأن كل نجاح صغير يحققه الطفل يعزّز ثقته بنفسه وبقدراته، ويدعمه للانتقال من التقييد إلى فرص المشاركة والإنجاز، وبهذه الآلية يتحوّل التمكين التربوي إلى استثمار في مستقبل الطفل والأسرة والمجتمع.
وبحسب آراء عدد من الأمهات المشاركات في برامج التمكين، فقد أكدن أن هذه المبادرات أحدثت تغييرًا ملموسًا في حياتهن اليومية، إذ ساعدتهن على فهم متطلبات أطفالهن بشكل أفضل، والتعامل مع سلوكياتهم بهدوء ووعي، بعد أن كُنّ يعانين من مشاعر التوتر والعجز، وغياب الدعم الكافي، ونظرة المجتمع، وعدم تقبّل اختلاف الطفل.
وأشار عدد من الأمهات إلى أن نقص المعلومات حول كيفية التعامل مع أطفالهن كان يزيد من شعورهن بالإرهاق والارتباك، ويضاعف التحديات اليومية التي يواجهنها.
وعبّرن عن تقديرهن لبيئة الدعم النفسي والاجتماعي التي وفّرتها برامج التمكين، والتي منحتهن شعورًا بالانتماء والتضامن مع أمهات يواجهن تحديات مماثلة، وأن ما اكتسبنه من معلومات وخبرات لم يقتصر على الجانب التربوي، بل عزز ثقتهن بأنفسهن، مؤكدات أن تمكين الأم هو تمكين للأسرة كلها.
يُشار إلى أن تمكين الأمهات يُشكّل مدخلًا نحو بيئة أسرية ومجتمعية أكثر وعيًا وشمولًا، تُسهم فيها الأم بدور فاعل في دعم ابنها والدفاع عن حقوقه؛ مما يجعل هذا التمكين أكثر من مجرد دعم لأسرتها فحسب، بل استثمارًا اجتماعيًا وتنمويًا يُسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة وشمولًا، يراعي متطلبات جميع فئاته، ويعكس الالتزام بأحكام قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ومبادئ المساواة والكرامة الإنسانية.
-
أخبار متعلقة
-
القوات المسلحة تحبط محاولة تهريب كمية من المواد المخدرة بواسطة طائرة مسيرة
-
الصفدي ونظيره الإماراتي يؤكدان ضرورة فتح المعابر لدخول المساعدات إلى غزة
-
مركز اكساب للتنمية المستدامة بإربد ينظم ورشة توعوية حول أهمية الزراعة
-
"صيف الأردن" في المدرج الروماني: حين يلتقي التراث بالموسيقى
-
السعايدة: مصفاة البترول تشكل نموذجًا وطنيًا وركيزة أساسية بمنظومة الطاقة
-
اعلان صادر عن إدارة ترخيص السواقين والمركبات
-
أوقاف الرصيفة تواصل فعاليات المراكز الصيفية لتحفيظ القرآن
-
رئيس بلدية إربد يبحث مع تجار تطوير الشوارع التجارية وسط المدينة