الأربعاء 24-04-2024
الوكيل الاخباري
 

معضلة وسائل التواصل



بعد أن تشاهد ما يمكن أن نسميه ريبورتاجا بعنوان (معضلة وسائل التواصل الاجتماعي) على «نتيفلكس» ينتابك ما يشبه الإحباط، حيث يضعك الفيلم القصير أمام معضلة وجودية وانتكاسة نفسية صعبة. فقد شاهدت الفيلم بكامل حريتك وأنت تعتقد بأنك حر في خياراتك، لتكتشف من خلال مجريات الريبورتاج بأنك مجرد عبد مأمور تبيعك وسائل التواصل الى المستهلكين أكثر من مرة في اليوم. هكذا تنتقل خلال الساعة وربع تقريبا (زمن الريبورتاج) من كائن يعتقد أنه يحصل على معلومات وخدمات مجانية من وسائل التواصل الاجتماعي، الى مجرد سلعة تباع وتشترى في بورصة عالمية. أنت لست عبدا فقط ، فالعبد كانوا يبيعون جسده وجهده، لكنهم هنا يبيعون روحك ويحولونك إلى روبوت يتصرف ويأكل ويستهلك ويحب ويكره ويقتل ويقاتل حسب ما يريدون. يغيّرون قناعاتك حسب مصالحهم ومصالح زبائنهم.اضافة اعلان


شارك في الريبورتاج مجموعة من التائبين الذي عملوا في الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي مثل غوغل وتويتر وفيس بوك ويوتيوب وانستغرام والعشرات غيرها...عملوا على التحكم في شخصية الفرد وتحويلها وتحويرها، لكنهم شعروا بالذنب وبالمسؤولية الأخلاقية، فتركوا أعمالهم وتوقفوا عن العامل مع البشر كفئران تجارب بعد خلق بيئة قائمة على الإدمان والتلاعب بالعقول. هؤلاء التائبون وضعونا امام هذا الرعب التكنولوجي الذي يتلاعب بنا من أجل الربح المادي فقط، حسب طلبات الزبون، سواء إذا أراد تسويق منتجات مادية او أراد تعديل القناعات السياسية والاجتماعية ويجعلنا منقادين بسهولة لمن يدفع أكثر. وقد صرح هؤلاء بأن هذه الشركات التي كانوا يعملون بها قادرة على تطوير أنواع جديدة من البشر خالية من الإرادة الحرة تماما. يذكرنا هذا الريبورتاج بكتابين .... الكتاب الأول هو (سيكولوجية الجماهير) للمفكر الفرنسي غوستاف لوبون الصادر في الربع الأول من القرن الماضي والذي تحدث فيه عن تحويل الانسان من كائن اجتماعي الى كائن مصنّع (قبل الثورة الرقمية بعقود)، وهو أول كتاب حديث بعد كتاب «الأمير» للراهب الإيطالي ميكافيللي الذي قدم فيه النصائح للأمير وعلّمه كيف يتحكم برعيته من الكائنات البشرية وقيادتها حسب مصالحه. أما الكتاب الثاني فهو (اعترافات قاتل اقتصادي) ويتحدث فيه مؤلفه جون بيركنز (وهو أحد التائبين مثل المشاركين في الريبورتاج التلفزيوني) كيف عمل في المخابرات الأمريكية بمهنة قاتل اقتصادي. إنها ذات الطرق في التحكم بالبشر، لكنها كانت في زمن غوستاف لوبون وجون بيركنز وحتى ميكافللي، أقل وحشية مما تفعله شركات وسائل التواصل الاجتماعي التي تتاجر بالبشر، رغم الغاء العبودية منذ قرون. وليس آخرا ما العمل ؟؟؟؟