الخميس 18-04-2024
الوكيل الاخباري
 

Food on the table



كنا سبعة أشخاص على مائدة العشاء في منزل السفير البريطاني السابق في عمان، ميتر بليت، والعشاء أقيم على شرف وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط الستر بيرت، والقصة حدثت خلال العام 2013، إذا لم تخني الذاكرة بشأن التاريخ، في ذلك الوقت.اضافة اعلان

كان السفير البريطاني، والوزير الزائر للأردن، وخمسة من الأردنيين، منهم ثلاثة وزراء سابقين، ومحلل سياسي، ثم كاتب هذه السطور، وخلال الحديث عن قضايا كثيرة، تخص بريطانيا والأردن، والعالم العربي، وغير ذلك، تشعب الكلام حول قضايا الداخل الأردني، وان كان في العموميات، حتى تحدثت وزيرة أردنية سابقة، من بين المدعوين، عن الشأن الأردني، وتطرقت إلى أولويات الناس، ما بين الإصلاح السياسي، والوضع الاقتصادي.
ختمت كلامها باللغة الإنجليزية ان اهم أولويات الناس، تتعلق بالوضع الاقتصادي قائلة إن تحسين الوضع الاقتصادي، يجب أن يكون الهدف الأول، لان “food on the table” أي توفر الطعام على المائدة أكثر ما يهم الأردنيين، في تلك الأيام، قبل الإصلاح السياسي.

ليلتها تحسس أحد الضيوف الأردنيين، وكادت ان تنشب مشادة أمام السفير البريطاني، والوزير البريطاني القادم في مهمة حساسة، فتولى صديقنا الرد بحدة على الوزيرة السابقة، أمام البريطانيين، معتبرا أن هموم الأردنيين ليست الطعام، ولا توفر مؤونة البيت، وان هناك اهتمامات متعددة لدى الأردنيين، وانه لا يجوز تقديمهم بهذه الصورة أمام البريطانيين، بما يمس سمعتهم وكرامتهم، وكأن همهم الوحيد بطونهم، أو مطابخهم، وحاجاتهم الغذائية، هذا على الرغم من أن الوزيرة السابقة استعملت التعبير مجازيا، للتأكيد على أهمية الاقتصاد.
مرت تلك الليلة على خير، لكنني حين اقرأ أرقام مديونية هذه الأيام، وتفاصيل الوضع الاقتصادي، والضنك المعيشي الشديد الذي يعيشه الناس، وأرقام البطالة، وعدم الجدوى من الدخول المتوفرة، أعود وأفكر في كل قصة “food on the table” التي لخصت الوزيرة السابقة، الوضع بها، خصوصا، حين لا تسمع أي صدى لدى الناس لكل قصص الدعوات للإصلاح السياسي، أو تعديل قانون الانتخابات، أو الأحزاب، أو المركزية، أو البلديات، أو حتى وضع الحريات العامة، فقد وصل الأردنيون إلى مرحلة من غياب الثقة، والشعور بعدم جدوى كل هذه الشعارات، خصوصا، ان النتائج كل مرة تأتي سلبية، ولا مؤشرات إيجابية.

حين يصل الدين العام الى ما نسبته 107 % من الناتج المحلي الإجمالي بما يعادل47 مليار دولار تقريبا، فيما يبدو الاقتصاد ضعيفا، وغير منتج، والقطاعات تعاني من مرور فترة تتجاوز أكثر من 14 شهرا تقريبا، من الإغلاقات الكلية والجزئية، والتراجعات المختلفة، تدرك كم أن الحلول الاقتصادية المتوفرة قليلة جدا، واطفائية، إضافة إلى ما حذر منه كثيرون في وقت سابق، من كون أرقام التوقعات في الموازنة، ليست دقيقة، مع المعلومات التي تتحدث عن أرقام مغايرة على أرض الواقع، حتى الآن، لكل الأرقام المتوقعة في الموازنة.
من حق الأردنيين ان تكون هناك إصلاحات سياسية، في الوقت الذي يتم فيه إصلاح الاقتصاد، وليس بالضرورة ان نبقى بذات الطريقة، أي التركيز على الإصلاح السياسي، لشراء الوقت، ولإخفاء الفشل في الإصلاح الاقتصادي، لان غالبية الأردنيين يهمهم وضعهم الاقتصادي نهاية المطاف، والوزيرة الأردنية التي هوجمت في العشاء، لم تكن تقصد التقليل من كرامة الناس، أو شأنهم، لكنها قصدت ترتيب الأولويات عند الأردنيين، وهو ترتيب طبيعي، في ظل تراجع الاقتصاد، ولا أدري لو تكرر ذلك العشاء، هذه الأيام، بنفس الشخوص ماذا كانت ستقول، بعد كل هذه التراجعات المضاعفة التي شهدناها خلال تسع سنوات من 2013 حتى 2021؟.

مناسبة الكلام، الرغبة بتذكير صانعي القرار، ان الإصلاح السياسي على أهميته، ليس بديلا عن الإصلاح الاقتصادي، شريطة ان لا يكون الإصلاح الاقتصادي بالطريقة التي تفهمها الحكومات لدينا، أي التخلص من الموظفين، وخفض نفقات المشاريع الرأسمالية، وغير ذلك، والتسلط على القطاع الخاص، فلا بد من وصفة اقتصادية ترد الروح الى اقتصاد الأردن، والى حياة الناس، وعندها ستجد عمان من يستمع لها، عند حديثها عن الإصلاح السياسي.
اخشى ما اخشاه ان نضيع الوقت، وان نصبح بلا اصلاح سياسي، ولا إصلاح اقتصادي، أيضا، كنتيجة طبيعية لسياسة الإدارة يوما بيوم، بدلا من التخطيط طويل المدى.