بقدر ما مثّلت الانتخابات البلدية-المحلية التركية مؤشّرات مهمة لقياس قوة حزب العدالة والتنمية، وحجم شعبية زعيمه رجب طيب أردوغان، بقدر ما حظيت بمتابعة عالمية وعربية بوصفها استفتاءً شعبياً تركياً، غير مباشر، على مواقف الحكومة التركية، بخاصة في منطقة الشرق الأوسط، تجاه كلّ من مصر وسورية.
هذه الانتخابات جاءت بعد اشتعال الصدام بين أردوغان وحزبه من جهة، وجماعة فتح الله غولن، حليفه الاستراتيجي السابق، من جهة أخرى؛ وهي جماعة نافذة، لها حضور وانتشار واسعين في داخل تركيا وخارجها.
وإذا كان من الطبيعي أن يحدث الصراع في عالم السياسة، إلاّ أنّ ما حدث في تركيا كسر القوالب المعروفة، وتجاوزها إلى 'بِدَع'ٍ حطّمت القيم الأخلاقية؛ عبر نشر تسجيلات لأعضاء العدالة والتنمية في مجالات مختلفة، تم الحصول عليها من خلال التلصص والتنصّت على أولئك الأعضاء، حتى إنّ مقربين من أردوغان أكّدوا أنّ هناك أجهزة زُرعت في منزله. ولعلّ أسوأ ما في عشرات التسجيلات التي نشرها خصوم الحزب، تسجيل لقيادات في الدولة تتحدث عن هجوم محتمل لتركيا على النظام السوري، ما دفع أردوغان إلى سابقة حظر موقع 'يوتيوب'، بعد أن كان حظر موقع 'تويتر'. وهو قرار قد ينظر إليه البعض على أنّه أحمق وجنوني، فيما ينظر إليه آخرون بأنّه جريء جداً، لقطع الطريق على طريقة نشر التسجيلات عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
بالضرورة، أردوغان ليس قدّيساً. وهو باعتراف أصدقائنا من أعضاء الحزب بدأ يتحوّل إلى النمط الكاريزمي والإعجاب بالنفس، إلى درجة الغرور، ما أضعف حالة المؤسسية داخل الحزب نفسه، ومنع صعود قيادات قوية تمتلك القدرة على استدامة النموذج وتطويره. بل لا تخفى على المراقبين التوترات التي برزت إلى السطح بينه وبين صديقه ورفيق الطريق، رئيس الجمهورية، عبدالله غول، مع عدم إخفاء أردوغان رغبته في خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، فضلاً عن تسرب الفساد لقيادات حزبه الذي كان يلقّب سابقاً بـ'الحزب الأبيض'، لخلوه من هذه الآفة التي أصابت غيره من الأحزاب التركية.
لماذا هذا الفوز؟ لأنّه يمتلك رصيداً كبيراً لدى الشارع التركي، مقارنة بالنخب المعارضة، وهو 'شرعية الإنجاز'. إذ تمكّن الرجل من تحقيق قفزات اقتصادية مبهرة، وقفز بالبنية التحتية في البلاد إلى مرحلة متطورة ومتقدمة، فأصبحت تركيا، التي كانت تعاني من أزمة اقتصادية خانقة عندما وصل إلى الحكم، قبل ما يزيد على عقد من الزمان، من الدول الاقتصادية المتقدمة والمتطورة، بينما كانت قبل ذلك وكراً لمافيات الفساد في السياسة والاقتصاد.
ربما ذلك يقودنا إلى الشقّ المرتبط بنا، نحن العرب، إزاء هذه الانتخابات. فشرعية الإنجاز هو ما تفتقده الدول العربية، التي تغرق في مشكلات الفساد والاستبداد، وغياب الديمقراطية. وإذا كانت دول عربية تنظر بعين العداء لأردوغان، فذلك لأسباب متعددة، تتجاوز السياسة الخارجية التركية التي راهنت على 'الربيع العربي'، ودعمت حركات التحرر الشعبية. إذ إنّ أغلب الدول العربية تخشى تماماً من نجاح النموذج التركي القائم على الجمع بين الإسلام والديمقراطية والعولمة، بعكس الفزّاعة التي تستخدمها هذه الأنظمة، في محاولة لاستدامة نمط من الحكم الأوتوقراطي الفاشل البائس، الذي لم ينجح إلاّ في تحقيق إنجاز واحد، هو تجذير التطرف والراديكالية والفوضى التي تلوح في الأفق العربي!
نجح أردوغان بإحدى أهم معاركة السياسية، وأثبت أنّ سياساته الداخلية والخارجية تلقى قبولاً من الشارع التركي، وأزعم العربي أيضا. لكن إذا كان هناك خطر في المستقبل يهدّد هذا النموذج، فهو أردوغان نفسه. فالخشية هي من ألا يدرك متى عليه أن يتوقف وينسحب من المشهد حين يكون قوياً، لحماية النموذج الجديد في المنطقة.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو