السبت 2024-12-14 06:51 ص
 

أعشار الحقائق!

10:57 ص

من يسيء إلى الإسلام، وصورة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، هي تلك الصور الهمجية من القتل والذبح والتشويه المخجل لتعاليم الإسلام؛ فلا يظهر عبر سلوك تنظيم 'داعش' وأخواته إلاّ إسلام دموي بلا رحمة، ودين بوليسي يلاحق الناس على معتقداتهم وتفاصيل حياتهم، فيه غياب لأي معنى حضاري جمالي!اضافة اعلان

هذا النموذج ليس فقط أخطر على صورة الرسول، ومشوّه لها، أكثر مما قامت به الصحيفة الفرنسية الساخرة 'تشارلي إيبدو'، بل نتائجه أكثر سوءاً من ذلك؛ فهو يحرف معاني الإسلام وغاياته ومقاصده العليا التي جاء من أجل تحقيقها، ويدفع بآلاف الشباب العربي والمسلم إلى مصير أسود، وروح عدمية، وأفكار دموية متوحشة.
أكثر من ذلك، فإنّ الحركات الإسلامية مطالبة قبل أن تدشّن مسيرات للدفاع عن الرسول الأكرم ضد رسومات المجلة (بعد أن سبّبنا لها شهرة عالمية)، أن تنظم مؤتمرات وأنشطة وندوات من أجل تقديم نموذج الإسلام المعتدل التقدمي، الذي يمثل الأغلبية المسلمة اليوم في كل مكان.
لكن دعونا نقف عند هذه النقطة الأخيرة؛ أليس هذا الوجه الإسلامي الذي نؤمن أنه يمثل مقاصد شريعتنا وغاياتها وروحها وفلسفتها، هو الذي يواجه حصاراً وتضييقاً من كثير من الحكومات العربية؟! أليست الحركات التي تتبنى العمل الديمقراطي تُحارب وتُتهم بأنّها إرهابية، وتجري عملية إقصاء منهجية لها؟!
من الضروري أن نتجاوز 'أعشار الحقائق' في الاعتراف بمسؤوليتنا الذاتية عن الإساءة للرسول، لنتحدث عن الأطراف الفاعلة الحقيقية وراء صعود هذا النهج، وهي بدرجة رئيسة ومباشرة السياسات الرسمية العربية التي ولّدت هذا التنظيم في سورية والعراق، عبر ما مارسته حكومتا المالكي والأسد من تهميش وإقصاء للسُنّة و'تطييف العملية السياسية'، بل وتوفير كل الظروف المناسبة لولادته عبر تحريف الصراع نحو الهوياتي الطائفي.
إكمال الجمل السابقة، وصولاً إلى فهم الظاهرة، يتطلب الاعتراف، أيضاً، بأنّ هذا الخط المتشدد المسيء للإسلام لا يخرج من كتب الفقه ابتداء، بل من السجون والمعتقلات والتهميش وغياب العدالة، والسياسات الطائفية والسلطوية، ثم يبحث عن ضالته في كتب الفقه والفكر الإسلامي، ليجد ما يسوغ له الانتقام، أو يفتح له طريقاً أخرى بعدما وجد أنّ الطرق المختلفة سّدت أمامه.
لا تقف مسؤولية الدول العربية اليوم عند حدود السلطوية والفساد، وغياب الديمقراطية والعدالة، بما يولد مشاعر التهميش السياسي أو الاجتماعي؛ ولا في سدّ مسارات التعبير السلمي المدني، بل مسؤوليتها تمتد إلى ضعفها الإقليمي وتخبط سياساتها الخارجية، ما يولّد حالة من الفراغ المرعب في المنطقة، تملؤه دول مثل إيران وتركيا وإسرائيل، وحتى هذه التنظيمات مثل 'داعش' والحوثيين وغيرها؛ كلّ يدافع عن مصالحه. مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الكبير بين إسرائيل بوصفها كياناً محتلاً غاصباً، وإيران وتركيا بوصفهما لاعبين إقليميين، كان من المفترض أن ندشّن حواراً واقعياً معهما. لكن العرب اختاروا العداء المجّاني مع الاثنتين، من دون أن تمتلك هذه الحكومات حتى الأدوات والأوراق المطلوبة لهذه المواجهة غير المفهومة!
هذا الضعف العربي، المتزاوج مع أزمة بنيوية تضرب الأنظمة العربية في سياساتها الداخلية والخارجية، هو نفسه الذي يدفع اليوم بواشنطن إلى التفكير في صفقة مع إيران؛ فتغضّ الطرف عن الميليشيات الشيعية المتطرفة، والنفوذ الإقليمي الإيراني، ووجود قيادات في الحرس الثوري الإيراني يقودون العمليات العسكرية في كل من العراق وسورية، كما تغض الطرف عما يرتكبه الحوثيون في اليمن. ففي النهاية، مفهوم الإرهاب خاضع لحسابات المصالح والقوة في عرف الدول الكبرى ودول المنطقة. وربما هذا ما يدفع بمزيد من الشباب في كل من سورية والعراق والدول العربية الأخرى، إلى أحضان هذه الجماعات، عندما لا يجدون بدائل طبيعية متاحة أمامهم!
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة