الإثنين 2024-12-16 10:16 ص
 

أغاني الثورة بين الالتزام وركوب الموجة

10:50 م

الوكيل - من ميادين عربية كثيرة انطلقت حناجر هادرة وعفوية وأخرى مدربة تنشد للثورة وتعني لمستقبل بلا ظالمين، وأثرى عشرات المطربين مستلهمين نبض الشوارع تجاربهم بأغان جديدة من رحم الثورة، في حين شق آخرون طريقا جديدا ضمن مسار الأغنية الوطنية أو الثورية التي عادت للظهور بقوة في السنتين الأخيرتين متأرجحة بين الالتزام الحقيقي وركوب الموجة.اضافة اعلان


وإذا كانت بعض الأصوات المكرسة قد التقطت اللحظة الثورية ورافقتها بأصواتها وموسيقاها، فإن الشاب المصريّ العشريني رامي عصام لم يكن يعرف أن هتافاته في ميدان التحرير مع بداية الثورة المصرية ستتحوّل إلى نشيد للاحتجاجات التي تمكنت من إسقاط نظام حسني مبارك والتأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ بلاده.

التحق عازف الغيتار الآتي من بيئة فقيرة من إحدى مدن مصر الصغيرة المحاصرة بأحزمة البؤس بالثوار في ميدان التحرير، وخيّم معهم لتصبح أغنيته 'ارحل' صرخة مدوّية في وجه الرئيس المصري المخلوع إلى حين رحيله في فبراير/شباط 2011. وليصبح عصام 'مغنّي الثورة' خاصة بعد اعتقاله وتعرضه للضرب.

'مغنّي الثورة' ركب موجة فنّية جديدة، وإن كانت الأغاني الثورية تراثا وطنيا قديما وغير مستجدّ بدلالتها الثقافية والأيديولوجية، وبكونها فنا شعبيا يعبّر عن الناس، ولكن كثافة الإنتاج التي برزت مع استمرار ما يسمى الربيع العربي حملت بين طياتها أسئلة كثيرة عن مصداقيتها وتوجهها فعلا إلى الثوار في معاناتهم ونضالهم في سبيل الحرية.

فنّ الثورة
يرفض الفنان المصري يسري سلام في حديث إلى الجزيرة نت وصف الإنتاج الفني الذي رافق الحراك العربي بـ'أغان أو فن الثورة'، ويعتبر أنّه يمكن تصنيف النتاج الحالي إلى ثلاثة أقسام: الأغاني التي تنتج بشكل تلقائي وحقيقي، والأغاني التي يتم تسجيلها بشكل غير محترف وتطوّعي، أما النوع الثالث فهو الفن الذي تحوّل إلى صناعة جديدة تبغي الربح وتحوّل الأغاني إلى علامة مسجّلة ومادّة إعلانية لتفقد جوهرها الأساسي.
ويشير سلام إلى أن ما قد يؤدي إلى نجاح أغنية دون سواها ليس بالضرورة جودتها، بل مدى تعلّق مضمونها بالحدث السياسي الآني وبما ترغب أن تسمعه شريحة من الناس في لحظة معينة، وهذا حتماً لا يكفي لنقول عنه فنا ثوريّا.

ويؤكد يسري -الذي يعمل حاليا على مشروع كورال الذي يشجّع الهواة على تقديم أغانيهم- أن هناك استغلالا للموضوع من قبل وسائل الإعلام، وحتى من قبل فنانين استغلّوا ميدان التحرير لحشد الجماهير.

من جهته، يقول الفنان اللبناني أحمد قعبور إن الأغاني الثورية هي شكل من أشكال التعبير لكسر قيد الاحتلال أو القمع أو حتى القيد الاجتماعي. 'في اللحظات العصيبة التي عرفتها الشعوب، هناك شكلان من التعبير: البعض يعود إلى الألحان الفولكلورية، والبعض يلجأ إلى الحنجرة'.

وبحسب قعبور فإن الشكل الجماعي للمشاركين في المظاهرات في سوريا، أي تمايل الأكتاف المتلاصقة على إيقاع أغنية فولكلورية، دليل حسّي على رفض الجسد للجمود، فـ'الجسد الذي كان أداة للحاكم يحاول إعادة الاعتبار لنفسه والعودة بالجسم إلى معناه الأوّل، أمّا أصحاب الحناجر فينتجون سيمفونيتهم الخاصة كتعبير أيضا عن الرفض'.

وعن إشكالية تحوّل الأغاني الثورية إلى معادلة تجارية، يؤكد قعبور أن عدم الاكتراث للمردود المالي الذي كان لدى الفنانين القدامى لم يعد موجودا الآن، 'قد لا يكون التعفف القديم الذي كنا نتمتع به المثال الأفضل، ولكن لا يجب أن تتحول الألحان إلى مجرد معادلة تجارية'.

وبالعودة إلى مصطلح الأغنية الثورية، يقول الكاتب والمسرحي اللبناني فارس يواكيم الذي صدر له مؤخّراً 'كتاب الأغاني'، إن الأغنية الثورية تندرج في نفس منطق الأغنية الوطنية باعتبار أن الغاية منها هي الشحن السياسي لتبني فكرة ما.

ويعتبر أنّ اكتمال عناصر الأغاني الوطنية القديمة من لحن وكلمات وصوت هو الذي ساهم في نجاحها، ويعطي مثال أغنية الفنانة أم كلثوم أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 'واللّه زمان يا سلاحي' من كلمات صلاح جاهين ولحن كمال الطويل.

ويخلص إلى أن عوامل النجاح كانت وجود الفنانين الكبار في الغناء واللحن وتوافق المستمعين على أهمية أعمالهم. 'وربما لأن النجوم الكبار أدّوا هذه الأغاني باقتناع، وليس ليركبوا موجة ما ويدغدغوا غرائز شريحة جماهيرية في حالة معيّنة على أمل أن يصبح أشباه النجوم نجوماً'.

بين مصر وسوريا
المشهد الفني الحالي في مصر دفع الفنانين الألمانيين ألكسندر بريفي وهانسر وسكم إلى إنتاج فيلم 'أغاني القاهرة' عن أنغام الثورة وألحان ميدان التحرير، في محاولة لرصد التحولات الموسيقية.

ويخلص بريفي في الفيلم الأشبه بأنطولوجيا عن أغاني الثورة المصرية إلى أنّ الموسيقيين يتأرجحون بين حالة النشوة والاكتئاب بحسب تغيّر الأحداث في الشارع وتطوّراتها، ويعتبر أن المشهد الراهن واعد لنوع معاصر من الموسيقى.

وبحسب الفنان السوري خليل عابد، الذي كتب كلمات أغنية 'لأجلك يا شام' للفنان يحيى حوا، المشهد الواسع للإنتاج الفني الثوري الحديث لا يخوّلنا حصره في خانة واحدة. 'تأثير الأغاني مختلف على الجماهير، توجد أغنية تدفع إلى الحزن وأخرى تحفّز وأخرى تحثّ على الأمل'.

ويعتبر عابد أن الأغاني تختلف أيضا من بلد إلى آخر بحسب مجريات الأحداث، فالموسيقى التي برزت في تونس قد لا تكون مؤثرة في اليمن أو مصر أو سوريا على سبيل المثال، 'فالمشهد السوري ارتبط بالكثير من الدم والأسى، وما يعبّر عنه الفنان سميح شقير مثلاً في أغنيته 'يا حيف' المهداة إلى شهداء درعا، سيختلف حتما عن أغنية حماسية تطلب من الرئيس التنحي.. فالمعنى هنا مرتبط بالغدر والجرح العميق. ولذلك يلزمه صوت آخر ونبرة مختلفة'.

وعن التفاوت في المشهد الموسيقي بين مصر وسوريا، يقول قعبور إنّ سوريا ما زالت في وسط الأزمة وإنّ ثقافة بلاد الشام تختلف نوعا ما عن الوضع في مصر، وما يحصل من استغلال تجاري للفن في مصر لا بد أن ينحسر بعدما يخضع الإنتاج الفني إلى المراجعة والتروي، ولا بد لمصر في نهاية المطاف أن تجد صوتها'.

المصدر:الجزيرة


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة