الأحد 2024-12-15 08:53 ص
 

ألم نصل منذ قرنين وثلاث تلال وقبعة رجل غريب؟

06:33 م

الوكيل - أستعير جملتها ‘لست قديسة. أنا كائن بري’ غالبا ما تشف تلك السيدة عن بريتها. فيكون ممكنا أن نرى من خلالها ما لا تقوى على إخفائه. قلقها المزخرف بزهور المائدة، نزقها الذي يمد يده ليلتقط غيمة عابرة، غبطتها المتمردة على عائلة من الغرباء لم تتشكل بعد، سعادة الكائنات التي ترعاها وهي تقيم بها عند حدود الاشياء. هذه المرأة يأخذها مزاجها إلى أقصى الحدس دائما حين لا تخلف وعدا قطعته لحواسها. ألأنها تجد دائما ما تفعله في وقتها الذي لا تتعثر خطواتها بأحجاره؟اضافة اعلان

كان الوقت كله لها، عدوا كان أم صديقا. تضعه مثل طفل على السياج لترضعه. ‘أنا لك’ستقولها من أجل أن تهذب الوقت. حينها فقط تنام وحوش الحكاية القديمة. ‘سأصنع سريرا للألم لكي ينام’ تهمس. كان الالم يوقد شموعه عند المذبح.
أنظر إليك باعتبارك نبوءة يوم غير عادي. يوم لم يعشه أحد بعد. نبوءة تقول باطمئنان ‘سيكون العالم جميلا’ ولكن اين يقع ذلك العالم؟ إن روحك العذبة تحلق مثل طائر يشف عنه فضاء جسدك مثلما تشف خصلة من شعرك عن جزء من وجهك.
‘في الصورة فقط’ تقاطعني. نادرا ما يشف جسد جميل عن روح تنافسه في الجمال مثلما يفعل جسدك. يمكنه أن يكون منجما، أقصد الجسد الذي يجب على المرء أن يمر بلياليه لكي يصل إلى شظية الماس، هناك حيث تنعم روحك بالرخاء والترف والهدوء.
‘ستصل الى الغريزة’ تضحك
اهدئي قليلا. موسيقى جناحيك تضرب الشجرة التي أسند ظهري إلى جذعها.
أنت تمرين. يمر الجلال والطيش والمعرفة والحزن والبهاء والقوة معا. معا يمر المعلم والقروي والفلكي والنازح واليتيمة وراقصة الفلامنكو. تمر الضحكة ولها شال والدمعة ولها كأس من كريستال. كان ديك الكنيسة وهو من نحاس يقتفي أثر خطوتك. كنتِ تخترقين الأحياء مثل طيف لترشدي النعامة إلى بيتها. ترقصين فرحا وأنت ترين النعامة سعيدة ببيضتها الوحيدة. أخبرك أني سأهدي اليك ريشة من جناح نعامة أفريقية. تفرحين بظلها. تقولين إن ظل تلك الريشة الخيالية صار يموء قرب فراشك.
سأخبرك أني منذ صيحة الديك الأولى كنت غارقا في نورك. هل خلقك الله في أكثر من صورة؟ نورك ينعكس في مرايا روحي فتظهر نساء متفرقات، يمنحن شبهك حق البقاء عالقات في مسطحات عيني. أكثر من امرأة، أقل من قبيلة نساء. جمهرة زعفران وتوت بري وأساور يطلق الاريج أناشيدها في الحقول.
في كل صورة من صورك أنت أخرى. أسألك ‘في أية صورة من تلك الصور تقيم المرأة التي غزتني أحلامها؟’ تضحكين. تعرفين أن ما من واحدة منهن تشبهك. ‘كلهن يتشبهن بي’ لا تقولين. ألجأ إلى الصبية الهشة التي تركت حقيبتها مفتوحة من أجل أن يتلصص الأولاد على دفتر أشعارها، غير أن سيدة الأعمال تأخذ بيدي لتشير إلى بناية هدمتها الحرب وتقول ‘سيكون علينا دائما أن نراهن على هندسة الخيال’ ابدو مطمئنا. هناك من سيكون في إمكانها أن ترمم روحي. سأظل ساهرا على ملائكة وحيك إلى أن تستيقظ.
سيدتي، خرائط دمشق تنشق عن وحوش ما كانت أشكالها تخطر في بالك حين بنيتِ دارتك المدوزنة مثل الزقزقة. ‘هو بيتي من الضوء’ قلتِ فحل الصمت. كنت أفكر ببلقيس وقد كشفت عن ساقيها. لقد غير أنف كيلوباترا التاريخ. زنوبيا تهبك قبلتها ‘أنتِ وارثتي’ تبتسم المخطوطة بين يديك. اتفاق أنثوي يطردني من إيقاعه.
‘هل وصلنا إلى القاع؟’ أسألك. تقولين ‘لا تزال أمامنا قارتان وليلة الهية وأصبعان من ملكة يمنية’ حينها أدرك أني لن أصل إليك. لن اصل أبدا. يا الهي. ستظل شظية الماس في مكانها. لن يمسها أحد. التفت. ما من مغامر يتبعني. ما من خطوة لمغامر قد سبقني. سيكون علي أن أحتفي بخرافتي. ما معنى أن يكون المرء مغامرا وحيدا ولن يصل إلى هدفه؟ ‘الحكمة في الطريق’ جسدك يقول وهو الذي يحكم سيطرته على بلاد شاسعة، منها حقولي التي صارت جزءا من مملكاتك الروحية. سيكون يأسك فضاء حكايتك المقبلة. لديك دائما ما تروينه مثلما كان لديك ما تفعلينه.
سيدة الحكايات اهدئي قليلا لكي أراكِ.
أنا قادم إليك من حرب شخصية. كان العالم كله فيها ضدي.
‘أنا كذلك. أنك تشبهني’
‘ولكنني يائس وأنتِ سعيدة’
‘سنكون أخوين في المحنة’
يسكت الغرام. عصافيره تضحك. سأكون ابنها. ستكون أبنتي. أصابعي تحلم في أن تهذي وسط صلاتها. أتذكر أنها أنكرت أنها قديسة. سيكون علي أن أتبع الكائن البري إلى بيته.
‘هل رأيت كنغرا؟’
‘لا’
‘أنا اشبه الكنغر’
ستقول ‘أرافقك من أجل الأناجيل الأربعة’ غير أنها لا تكف عن التفكير في الكنغر. أقفز بين سطرين في دفترها المدرسي. بين صحنين في مطبخها. لقد رأيتك تحلمين. يا قمر الشام نورك يغمرني بخيلاء أصدقائي. يومها كنا نفكر في الموسيقى والرسم وكان الشعر يمكر بنا. كان الشعر يكذب. كنا نكذب من خلال الشعر. كان الكذب عدونا. كيف تستقيم تلك المعادلة؟ كنا نكتب أنجيلا خامسا. لم نكتبه. لقد هربنا من الحرب. أنا نجوت لكي أكتب ذلك الأنجيل الخامس من أجل عينيك.
أقيم بين يديك. خصلات من شعرك على كتفيك فيما عيناك تلمعان بالعسل. أنا أسيرك. تضكحين ‘وأنا اسيرتك’ سيكون علينا أن نفكر بالمياه التي تجري تحت الجسور. أنا مياهك الصامتة. أعرف أنكِ كنتِ نهرا لكثير من القوارب الصغيرة. كان وطنك ينعم بالجمال. كان لديك وطن آخر. شيء منه لا يزال يقتفي أثر خطوتك. ‘جمالي من جماله’ تقولين. أعرف أن جمالك يتجلى من خلال صور متفرقة. ولأني أعرف انك وحيدة فقد صرت أخاف عليك من وحدتي. غريبان نحن. أحاول أن لا أكون غريبا من أجلك. تحاولين أن لا تكوني غريبة من أجلي. ولكننا نفشل. لقد كُتب علينا أن نلتقي غريبين.
‘سأتبعك’ تقول الغريبة للغريب كما لو أنها تهدده.
‘سأتبعكِ’ يقول الغريب للغريبة كما لو أنه يهدي لها جزيرة.
يا سيدتي. أنا ابنك. نبوءة نظرتك وفكرتك عن النجاة وحيدة. هل صرت أفكر فيك شعرا؟ ولكن صورك توزعني بين نساء كثيرات. أنتِ هن. هن أنتِ. المسافة تنقص. تزيد. أنا ابنك. أنت ابنتي. الجمال يوحدنا. يوحد صورتينا. لا ماض لنا. لم نخلق إلا قبل فقرتين من زعفران.
سنمشي ونحن نتأبط وطنين ضائعين. نصدق أن كل ما يجري من حولنا لا ينتمي إلى الواقع. الطفلة الالهية تقود غزالها إللى النبع. كلما التفت يظهر وجهها في هيأة جديدة، فيظن الغزال أنه نام وحين استيقظ اكتشف أن صاحبته قد تبدلت. مستسلما لقدره في النسيان يهوى الغزال إلى قاع لا قرار لها. يهوى يدها التي تمس رقبته كلما انعطفا في طريق صارت غايتها أن تكون طريقا لا نهاية لها هي أشبه بالفضاء المفتوح على الجهات كلها. سيكون عليه أن يتنفس هواء رقة مثالية ينبعث من بين ثياب المرأة المتغنجة التي صارت بالنسبة إليه عالما باذخا من الجمال. لن يسألها ‘متى نصل؟’ فهو يعرف أنهما كانا قد وصلا منذ قرنين وثلاث تلال وقبعة رجل غريب.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة