الخميس 2024-12-12 04:48 ص
 

التفاخر الأحمق

08:35 ص

بالرجوع الى كتاب» معجم آلهة العرب قبل الإسلام» لمؤلفه الباحث جورج كدر، الصادر عن دار الساقي في بيروت، نكتشف ان (فخر) هو أحد آلهة العرب القديمة قبل الأسلام.اضافة اعلان

جاء الإسلام، فألغى نظم الآلهة باكمله، لكن آلهة التفاخر استمرت جزءا من النسيج الاجتماعي العربي ، الذي يجمع بين تلك القبائل الوالغة في الصحراء الموغلة فيها. رحل صنم الآلهة من جدران الكعبة الى ارواحنا المجبولة بالتفاخر ، حتى ساعة اعداد هذا المقال.
طبعا تذكرون الشاعر عمرو بن كلثوم الذي قتل عمرو بن هند لأسباب لها علاقة بالتفاخر ، وسالت معلقته – كما سال دم بن هند- ليتفاخر فيها بأن قبيلته قد ملأت البحر سفنا، وهذا تفاخر اسطوري خيالي لا يصدقه احد، ومع ذلك علقت معلقته تلك على استار الكعبة قبل الإسلام.
وابن كلثوم ، هو ذاته الذي تفاخر، في ذات المعلقة - بأن الطفل في قبيلته عندما يفطم(تخرّ له الجبابر ساجدينا)، وهو ذاته الذي اعماه التفاخر وقتله، حيث انه عندما ساد ابنه(الأسود) ارسل له احد الملوك كمية من الخمر على سبيل الهدية السنوية ، كما ارسل الى عمرو بن كلثوم، فغضب شاعرنا، وقال مستنكرا (ساواني بولدي؟) وحلف ان لا يذوق دسما حتى يموت، وظل يشرب الخمر صرفا ، على غير طعام، ولم يزل يشرب حتى مات.
لا تستنكروا ولا تتعجبوا ، فحالنا تشبه حال ابن كلثوم ، لا بل أن حالنا اكثر بؤسا، فالشاعر قد انتحر عن وعي وعن سابق اصرار وترصد، أما نحن فننتحر بالتفاخر ، بلا وعي ولا ادراك ولا ترصد.
لا يتسع هذا المقال لاستعراض تاريخنا العربي الموبوء بالتفاخر حتى استولى علينا الأخوال و(الموالي) والمماليك، وحكمونا اكثر بكثير مما حكمنا انفسنا،لكننا ما نزال على ذات الطريقة ننحرانفسنا بالتفاخر ، دون ان نلحظ اننا نعيش في مستنقع هائل من التردي في المجالات كافة.
التفاخر يلهينا عن واقعنا الحقيقي ، ويخلق امامنا واقعا موازيا يمنحنا احساسا وهميا بالتفوق على الآخرين جميعا.
- العالم يتقدم علميا ، ونحن نتأخر علميا وعمليا ..ومع ذلك نتفاخر عليه.
- العالم يتوحد ونحن نتفرق
- العالم يتأنسن ونحن نتوحش
- العالم يعبث بنا كما يشاء ونحن نتفاخر عليه
لا يلهينا فقط، بل يعمينا التفاخر عن رؤية واقعنا الحقيقي المر ، لذلك لا نشعر بأن علينا ان نتغير وأن نناضل من اجل الخروج من واقعنا الافتراضي الى واقعنا الحقيقي ،لعلنا نعي واقعنا ، ونعي مشاكلنا، ونسعى للخروج منها، والعودة الى العالم الواقعي الذي نعيش فيه ، بلا تفاخر احمق، لا يختلف كثيرا عن تفاخر وتحامق عمرو بن كلثوم ، بل اكثر حمقا منه.

- See more at: http://www.addustour.com/17657/%D9%81%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%AE%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D9%82.html#sthash.D6ZgFiPj.dpuf


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة