السبت 2024-12-14 06:19 ص
 

التواصل الحكومي مع المواطنين خلال الأزمات

04:57 م

يعتمد النهج المستخدم في التواصل الحكومي مع الجماهير خلال الأزمات في الدول المتقدمة على دراسات علم السلوك الاجتماعي و علم النفس. حيث بينت الدراسات أن إدراك المخاطر عبارة عن عملية ممزوجة من الحقائق والغرائز؛ فيستخدم الإنسان المعلومات التي لديه وغرائزه من أجل قياس شدة الخطر الذي يهدد بقائه و ديمومة إحتياجاته الأساسية. ويكون الإنسان أكثر خوفا من الأشياء التي لا يمكنه الكشف عنها بالحواس الخمس كالإشعاعات النووية وعندما لا يثق في حكومات ومؤسسات الدولة -التي من المفترض أن تحميه من المخاطر-؛ فثقة المواطن في تخصصات وأمانة ودوافع وكفاءة المسؤولين الحكوميين تؤثر على تصوره للأخطار المحيطة به.

اضافة اعلان

في حالة الطوارئ يحلل المواطنين المعلومات ويتصرفون بشكل مختلف عن تصرفهم خلال الفترات العادية؛ ففي حين يتوقع المسؤول أن تصرفات الناس ستكون عادية ، قد يبالغ الناس في ردود الفعل من منطلق غريزي أساسي. فتنص نظرية تحديد الثقة (Trust Determination Theory) على أن الإنسان لايثق و يشكك في دوافع الأخرين عندما يغضب وهذا يستدعي التواصل العاطفي المستمر من قبل المسؤول مع المواطنين خلال الأزمات. كما تنص نظرية ضبابية التفكير Mental Noise Theory)) على أن الانسان عندما يغضب يعاني من صعوبة في السمع والفهم والتذكر لذا يجب التواصل مع الجماهير الغاضبة بإرسال رسائل قصيرة جدا لا تتجاوز ثلاثين كلمة أو عشر ثوان وتكون خالية من استخدام كلمة 'لا' فبدلا من قول 'لا تخرب بلدك' يحبذ أن يقال 'حافظ على بلدك'. ومن الضروي تكرار الرسائل القصيرة باستمرار حيث وضح المفكر (روبرت سيلديني) في كتابة المشهور(التأثير) أن الإستمرار في الطلب هو أحد عوامل التأثير الثمانية الناجعة.
وفي غياب التواصل الفعال للحكومات مع المواطنين في توضيح المخاطر المحيطة بالمواطنين قد تفقد الحكومة مصداقيتها وتزداد حالات عدم اليقين والإستنتاجات المبنية على الشك والظن مما يؤدي إلى الفوضى الإجتماعية والقلق غير المبرر خاصة عندما يستغل هذه الأحداث فئات من المجتمع لأغراض عقائدية غير المصلحة الوطنية. وضرورة التواصل الحكومي مع المواطنين تحتم بناء شراكة مع الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بدلا من إتخاذها كمنافس أو عدو. ولكن التواصل من خلال هذه الوسائل له قواعد يجب التقيد بها خوفا من زيادة تأجيج المواطنين. ففي اللقاءات المصورة يجب الإبتعاد عن حركات لغة الجسد التي تدل على الإستعلاء والغرور كالتحدث بصوت مرتفع والإسترخاء المفرط على كرسي الجلوس. كما يجب الإبتعاد عن إستخدام لغة الجسد التي تدل على الضعف كالإبتعاد عن التواصل بالعينين و كثرة لمس الوجه باليد وإرتجاف اليدين. كما ينصح بعدم وضع اليدين على الصدر.

وهنالك العديد من النشرات العلمية والكتب حول تحسين الإبلاغ عن المخاطروبشكل عام هنالك ستة مبادئ للتواصل مع المواطنين خلال الأزمات:
1. السرعة في التواصل مع المواطنين؛ فالأزمات حساسة للوقت ويرى المواطنين أن المصدر الأول للمعلومة هو المصدر الموثوق.
2. إعطاء المواطنين معلومات صحيحة ودقيقة؛ فتؤدي صحة المعلومة إلى تعزيزمصداقية الحكومة , لذلك يمكن أن تشمل المعلومات ما هو معروف , و ما هو غير معروف، و ما الذي تعمله الحكومة لجمع الحقائق.
3. بناء الثقة المتبادلة فعدم الثقة في مواقف ودوافع ومعتقدات أي طرف يجعل من الصعب الإستماع إلى وجهة نظره، ناهيك عن قبولها والإستجابة لها بكل احترام.
4. التعاطف مع المواطنين فالأزمات تلحق الضرربالناس لذلك ينبغي الإعتراف بمعاناة الناس وتخفيف مثل هذه المعاناة معنويا وماديا إن أمكن.
5. تشجيع المواطنين على التعاون مع الحكومة في الاستجابة للأزمة فهذا يعزز شعور المواطنين بالمواطنة والإحساس بالسيطرة والحرية في ردة الفعل. ويتم هذا من خلال نشر رسائل عبر وسائل الإعلام للمواطنين.
6. إظهار الإحترام للمواطنين فهذا يعزز التعاون و الألفة بين الحكومة والمواطنين.
ومن قصص نجاح الحكومات في إدارة الأزمات إدارة الحكومة الامريكية لكارثة تسرب النفط الخام في خليج المكسيك عام 2010 ولكارثة إنتشار انفلونزا (المشهورة بإنفلونزا الخنازير) عام 2009 من خلال تفعيل نظام قيادة المخاطر بكل مكوناته, فتم التواصل مع وسائل الاعلام من أجل تسليط الضوء على جهود الحكومة في الاستجابة لهذه الكوارث حتى أدى ذلك إلى تخيل المواطنين للمسؤولين الحكومين كمثال يقتدى به, ولكن في الحقيقة يعلم المختصون في إدارة المخاطربأن جميع الحركات والكلمات التي يقوم بها المسؤول هي لغة مدروسة ومبنية على أسس وقواعد مستنبطة من علم السلوك الإجتماعي وعلم النفس.

الدكتور محمد محي الدين عبيدات

[email protected]

البورد الأمريكي في علم الوبائيات والإحصاء الحيوي ، الأمراض المعدية ، صحة الغذاء و الصحة العامة
دكتوراه علم جراثيم الغذاء / جامعة ولاية جورجيا الأميركية
الإختصاص العالي في قوانين صحة الغذاء العالمية / جامعة ولاية ميشيغان الأميركية

اختصاص صحة الغذاء والأمراض المشتركة وقوانين صحة الغذاء العالمية – جامعة العلوم والكنولوجيا الأردنية (حاليا)
إستشاري مؤسسة التطوير المدني الدولية/ واشنطن/ أمريكا (حاليا)
أستاذ صحة وقوانين الغذاء/جامعة جورج تاون/ واشنطن/ أمريكا (سابقا)
إستشاري منظمة بيو الحقوقية/ واشنطن/ أمريكا (سابقا).


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة