قرابة شهر ونصف ، ويحتفل حراكيوا الأردن بالذكرى الثانية لرأس السنة الحراكية ، والتي دوّى هتافها الأول في مطلع عام 2011 مطالبا بالصلاح والإصلاح ، وإعادة مسلوبات الوطن ، ووئد أصنام الفساد ، وكفّ يد الأربعين حرامي عن جيوب الشعب ، ووضع حد لورم البطالة الذي تفشى في عقول الشباب وطموحاتهم. أظنوا الحراكيين في هذه الذكرى ، سيصنعون من دوّار الداخلية قطعة حلوى ، يلفونها بقماش من الكراميل الأبيض ، وسيغنون حينها 'انزل يا حراك عالساحة ، وتمخطر كدا بالراحة' ليردّ دولة الرئيس والكورال الوزاري ' أنا أدّ عنيك مع أنه نظرة عنيك دبّاحة'.
انطلق الحراك في الأردن قبل عامين تقريبا ، بكل فوضوية خلاّقة ، وعفوية لا تفوح منها أي شبهة سياسية ، فلم يكن متأثرا بعوامل الدفع الخارجي ، ولم تتحكم حركة الرياح بوجهة أشرعته ومقصدها ، بل كانت تهمة التحريض عليه ملتصقة بجيب طفح الجوع منه ، وعين فقئ الفساد كحلتها ، ليظل الحراك شعبيا بامتياز يرمي إلى تصحيح المسار الاقتصادي ، وإعادة السكة المسروقة إلى عجلات القطار ، ولفت انتباه القلاع والأحصنة والجنود ، إلى أن تعود إلى مربعاتها الصحيحة ، لتظل رقعة الوطن بأمان.
عامان تقريبا على الحراك ، وماذا بعد ؟ هو تماما ، ما كان قبل 'بعد' (الحراك بلا حراك) ، فأيّ حراك مؤسسي أو غير مؤسسي ، لا بد أن يدوّن في هامش مفكرته حدا أدنى من الأهداف والمبتغيات يسعى إلى انتزاعها من تحت إبط الحكومة ، وجملة من الاستحقاقات الاقتصادية والسياسية يبتغي من وراء السعي استردادها . ظل الحراك الأردني على قارعة عامين تقريبا من الزحف المتواصل على طول إسفلت الوطن ، أفرغ فيها 'شنتة العدّة' بالكامل من أدوات الضغط الشعبي والسياسي على الحكومة ، حالما بدفعها للانصياع للقرارات التي أتخذها الشارع ، وإدخالها حيز التنفيذ دون إبطاء أو تلكؤ ، ودفعها إلى فتح 'قبّة' قميصها ولو قليلا ، لتتناغم مع المناخ الوطني الجديد ، الذي تأثر بشكل شبه ملحوظ بزخات دافئة من الربيع العربي ، فمارس الحراك خلال تلك الفترة شتى ألوان الإكراه الشعبي والسياسي تجاه الحكومة ، من مسيرات ، واعتصامات ، واحتجاجات ، وخيم مفتوحة ، وإضرابات ، وبعض من العصيان الوظيفي ، ناهيك عن الجمع الكرنفالية ، ولكن عدم جدّية الحكومة في الاستجابة لمطالب الشارع ، واقترافها قرارات عبثية زادت الشارع حطبا ، وأوجعت مواطن الجوع فوق الحزام وتحته ، كانت هذه الممارسات جملة تطرد الحراك بمطالبه إلى الشارع ، ليردّ صدى الشارع سائلا : 'ماذا حصدتم بعد عامين؟'.
(أؤمن بأن الوطن بلا حراك ، لن يقوى على الحراك) ، وبأن الحراك الجديّ والإيجابي هو صمّام الأمان الحقيقي لأية دولة يعشّش الفساد فيها ويفرّخ، فلست في هذه المقام لأشنّ هجمة على الحراك ، أو أجترّ على ظهره مغنما ، فقد اختار أهله ألاّ يكونوا من أمة 'أضعاف الإيمان' ، فجاهدوا الحكومات سياسيا ، ليحظوا كل مرّة بالشهادة ، ولعل النصر قريب ، إلاّ أن الحراك غير المنتج والذي لا يحقق الحدّ الأدنى من أهدافه ومساعيه والتي وقّعت على قرار إنشائه أصلا ، سيكون حراكا إلى الخلف ، فمعظم الحكومات التي تتجنب أن تقترف بحق مواطنيها 'السبع الكبائر' هي لا تفعل ذلك تقوى منها بأبنائها ، بل لأنها تخاف أن تقترف حماقة كبرى ، فيفكّ الشعب اللاصق عن فمه ، لينتزع بنواجذه وثناياه ما سلب منه من حقوق ومقدرات ، إلاّ أن الحراك الأردني قد فكّ اللاصق عن فمه ، ولكن الحكومة قد انتزعت نواجذه وثناياه ، فلم تعد الحكومة تأبه ل 'بعبع' الشعب الصامت ، لذا كان الحراك بلا منجزات تذكر على إسفلت الواقع ، ودليل ذلك أن الحراك لا زال يطالب بأولى مطالبه ، وينادي بندائه الأول الذي ناد به لمن لا حياة له ، وللأمانة هنا يحسب للحراك جملة من الآثار الاقتصادية على الأرض وأهمها : ارتفاع إيراد خطاطي اللافتات ، والزيادة الملحوظة في حجم المبيعات لدى باعة القهوة والشاي كل جمعة ، وزيادة القوة الشرائية من قبل 'الهتّيفة' ، على مادة 'السُكُّر الفضي' والتي كانت تعاني من كساد في دكاكين وسط البلد القديمة ، يحزنني أن أسأل بعد عامين ما هي مكاسب الحراك على الأرض ؟!!
إن أهم أسباب النكسة الحراكية في الأردن ، يردّ إلى عدم 'مأسسة' هذا الحراك ، ولملمة خيمه المتناثرة والمتناحرة تحت سقف خيمة واحدة ، ليكون هذه الحراك أكثر حراكا وفعالية ، فقد شارك فيه العشرات من الفعاليات والإقليميات والجماعات السياسية ، إلاّ أن معظم الأغلبية الصامتة لا تستطيع أن تحصي أيّ من هذه المكونات على أصابع اليد الواحدة ، مما يشير بسبابته نحو غياب فعالية الحراك ، وقدرته على كسب هذه الأغلبية والتي كانت لتحدث فارقا كبيرا في حسابات الحكومة ، وهنا لا أحمّل هذه الخطيئة إلى الفعاليات الشعبية التي أطلقت الرصاصة الأولى ، لأن مثل هذه 'المنهجة' تحتاج إلى تكتيك سياسي ، فتتحمل التيارات السياسية التي تسلقت على ظهر هذا الحراك و'نطّت نطتها' على الموجة ، وعلى رأسهم 'متزلجوا الموجات الشعبية' جماعة الإخوان ، مسؤولية عدم 'مأسسة' هذا الحراك.
عامان على هزّ ساحة النخيل ، وجذع الحكومة يأبى أن يطرح رطبه ، والمطالبات الملحّة كانت أشبه بفقاعات هواء ، تتدرّج أدراج الرياح كل جمعة قبيل رفع أذان العصر، ولسان الوجع للشارع الأردني يقول ' لم يعد الحراك بخير'.
حمزة عيسى الفقهاء
[email protected]
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو