الإثنين 2024-12-16 01:11 ص
 

الدكتور أحمد أبو زيد يترجل عن عشرات الكتب ومئات البحوث العلمية

10:32 ص

الوكيل - عن عمر يناهز الثانية والتسعين وبالتحديد في التاسع والعشرين من يوليو الجاري، غادر دنيانا العالم والمفكر الدكتور أحمد أبو زيد المولود في 3 ايار/مايو 1921 بعد رحلة طويلة من العطاء ظل فيها واحدا من مؤسسي علم الإنثربولوجيا في العالم العربي وفي الجامعات المصرية خاصة جامعة الإسكندرية التي عمل فيها طيلة حياته الأكاديمية، حصل الراحل خلالها على أعلى جائزة في البلاد وهي جائزة النيل للعلوم الاجتماعية وقيمتها 400 ألف جنيه للعام 2011، أي قبل رحيله بأقل من عامين . اضافة اعلان

وكانت جامعة المنصورة قد رشحته لنيل الجائزة نظرا لمكانته العلمية الرفيعة، حسبما جاء في حيثيات الترشح . والدكتور أبو زيد إلى جانب ذلك عمل خبيرا سابقا في مكتب العمل الدولي بالأمم المتحدة، وكذلك شغل موقع أستاذ زائر في عدد من الجامعات العربية والدولية، وكان مستشارا لمجلة ‘عالم الفكر’ الكويتية، ومقررا للجنة الدراسات الاجتماعية في المجلس الأعلى للثقافة في مصر . وقد تلقى تعليمه بجامعتي الإسكندرية وأكسفورد، وعمل أستاذا للأنثربولوجيا وخبيرا بمكتب العمل الدولي بجنيف، وقد أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب والمقالات والأبحاث الموزعة في الدوريات، ومن أهم مؤلفاته كتاب’المفهومات’ وكتاب ‘الأنساق’ و’المعرفة وصناعة المستقبل’. وقد شغل الراحل عمادة كلية الآداب (جامعة الإسكندرية) في الفترة بين أعوام 1976 1979 .
ولم يقتصر دور أبو زيد على الأبحاث النظرية فحسب بل أجرى الراحل عشرات البحوث الميدانية، فقام بعمل أبحاث حول الواحات الخارجة لمدة ثلاثة عشر شهرا في عامي 1954 1955. كذلك قام بأبحاث ميدانية حول جماعات البدو الرحل في الصحراء الغربية (مصر) والصحراء السورية صيف عام 1959 بتكليف من مكتب العمل الدولي بجنيف. كما قدم بحثا عن الثأر في إحدى قرى الصعيد (قرية بني سميع مركز أبو تيج) بتكليف من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (عام 1960). وقد نشر البحث في كتاب عام 1962. قام الدكتور أبو زيد بتقديم دراسة مهمة عبارة عن أنثروبولوجية استطلاعية للعلويين في سوريا بتكليف من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (صيف عام 1960 كما عكف على القيام بعدد من الدراسات الميدانية في صحارى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (المغرب الجزائر ليبيا الأردن العراق المملكة العربية السعودية إيران) بتكليف من مكتب العمل الدولي بجنيف عام 1961 ونشر البحث بالإنجليزية عن طريق الهيئة الدولية ونوقش في مؤتمر عام 1962. وكذلك القيام بعدد من الدراسات الميدانية في عدد من القبائل في شرق وغرب إفريقيا (أوغندة تنجانيقا كينيا ثم نيجريا وسيراليون) وفي جنوب السودان بتكليف من مكتب العمل الدولي (عام 1962) وصدرت النتائج في عدد من المقالات والدراسات بعضها باللغة العربية (مثلا في المجلة الاجتماعية القومية وفي الأهرام الاقتصادي القديم خلال الستينات) والبعض قدمه باللغة الإنجليزية (مجلة Africa) ومجلة المعهد الملكي للأنثربولوجيا (J.R.A.I.) والبعض بالفرنسية (مجلة L’Homme). قدم الراحل أيضا بحثا مهما حول ‘اتجاهات المصريين نحو العمل اليدوي’ وذلك بالاشتراك بين قسم الأنثروبولوجيا بجامعة الإسكندرية ومؤسسة كونراد إديناور. كذلك قدم بحثا حول ‘إعادة بناء الإنسان المصري الأبعاد الاجتماعية’ ضمن مشروع دراسة إعادة بناء الإنسان المصري الذي قامت به جامعة الإسكندرية (1976 1978) وقام بتحرير التقرير الثاني الذي نشر متضمنا نتائج الدراسة في مجال التنشئة الاجتماعية ومقومات الشخصية المصرية ودراسة الصبر كقيمة اجتماعية وثقافية. وكذلك بحث ‘المجتمعات الصحراوية في مصر’ بتكليف من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. وقد صدر حول ذلك البحث أربعة مجلدات بالعربية والإنجليزية تدور كلها حول شمال سيناء. وقد بحثا عن ‘الواحات البحرية’ بتكليف من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ولم يسبق دراسة هذه الواحات من قبل بإتباع المناهج والأساليب والطرق الأنثروبولوجية، بالإضافة إلي الكثير من الكتب والأبحاث الأخرى حول العولمة وتطورات علم الإنثربولوجيا على المستوي العالمي.
وفي بحث مهم للدكتور أحمد أبو زيد قدمه لمؤتمر أدباء مصر قبل حوالي ثلاثة أعوام، حيث طلب إليه أن يقدم ورقة عن الإصلاح الثقافي، فكانت تلك الورقة البحثية المستفيضة التي يمكنها، حتى هذه اللحظة، أن تساهم، حال الأخذ بها، في تقديم الكثير من الحلول للإشكالية الثقافية المجتمعية على السواء.
يقول أبو زيد تتردد كلمة (الإصلاح) الآن بكثرة تلفت النظر خاصة وأنها تستخدم أثناء الحديث عن بعض الأوضاع السائدة في المجتمع المصري بوجه خاص والمجتمعات العربية والإسلامية بوجه عام وعدم الرضا عما هو قائم بالفعل بالمقارنة بما يسود في المجتمعات الغربية الأكثر تقدما. واستخدام كلمة الإصلاح في المجتمع المصري استخدام قديم وشائع ولكنه كان ينصب على بعض أوجه النشاط المحددة والمحدودة نسبيا مثل إصلاح التعليم أو حتى الإصلاح الزراعي، ولكن الكلمة تستخدم الآن للإشارة إلى العيوب والنقائص التي تعاني منها كل النظم تقريبا التي يقوم عليها المجتمع كما هو الشأن في الحديث عن الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي والإصلاح الثقافي أي أن استخدام الكلمة أو المصطلح أصبح الآن يشير إلى مجالات أوسع وأعم عما كان عليه الأمر حتى وقت قريب. ويرى الدكتور أبو زيد أن هذا التعبير قد فرض نفسه بصورة مكثفة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وإعلان الولايات المتحدة ضرورة أن تتخذ الدول العربية والإسلامية الخطوات الجريئة الحاسمة لتغيير بعض الأوضاع السائدة فيها كوسيلة للقضاء على أسباب ودواعي ودوافع الإرهاب. ويضيف: إنه بصرف النظر عما إذا كان الاهتمام بالإصلاح جاء نتيجة لهذا الإعلان الذي لم يخل تماما من لهجة الوعيد والتهديد أم أنه جاء نتيجة لاقتناع الدول العربية والإسلامية من تلقاء نفسها أن الوقت قد حان لتغيير بعض الأوضاع غير المرضية فالمهم هو أن حديث الإصلاح نشأ – في جانب كبير منه – عن الشعور العام بعدم الرضا بل والتمرد على الواقع لما فيه من نقص واضطراب واعوجاج واستبدال واقع آخر به يحتفظ بكثير من مقومات الواقع القائم مع إكمال النقص وإزالة الاضطراب وتقويم الاعوجاج وإدخال تعديلات وإضافات جديدة تستلزمها الظروف الحالية وتتطلبها النظرة المستقبلية مع الأخذ في الاعتبار المستجدات التي طرأت على العالم ككل وضرورة اللحاق بالتطورات العالمية حتى لا تزداد الهوة اتساعا بين عالمنا المتخلف المتردي والعالم المتقدم علميا وفكريا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا وتكنولوجيا.

ويرى أبو زيد أن استخدام كلمة (الإصلاح) لا يحمل معنى الاستبدال أو التخلي الكامل عن الواقع ونبذه تماما وإنما هو يعني ويتطلب رصد ذلك الواقع وتشخيصه لمعرفة جوانب الضعف التي تحتاج إلى علاج، كما يعني أن هذا العلاج لابد أن يتم في ضوء تصور معين أو رؤية محددة لتحقيق غاية محددة واضحة. وعملية الرصد والتشخيص فيما يتعلق بالإصلاح الثقافي تقتضي، حسب أبو زيد، الإحاطة الكاملة بالوضع الثقافي العام والسياسة الثقافية التي تضعها الدولة والتي (ينبغي) أن يشارك في وضعها المثقفون أنفسهم كما تستلزم معرفة اتجاهات المثقفين وتكوينهم الفكري ومجالات إبداعهم، بل إنها تتطلب أيضا معرفة آراء (المستهلكين) الثقافيين في الإنتاج الثقافي العام وفي السلع الثقافية المطروحة في السوق الثقافية إن صح استخدام هذه التعبيرات الاقتصادية هنا.
غير أن أبي زيد يربط هذا كله بالدراسات والبحوث الميدانية الشاملة والعميقة التي ترصد الواقع وتحدد في ضوء هذا الرصد الدقيق جوانب النقص والضعف وأساليب العلاج، وهذا أمر لم يتوفر ـ حسبما يقول – حتى الآن، ولذا فإن كل ما يقال عن الإصلاح الثقافي – بما في ذلك هذه الورقة – هو مجرد تعبير عن انطباعات شخصية للمهمومين بشؤون الثقافة في مصر بخاصة والعالم العربي بل والعالم أجمع، وهو هنا لا يقوم بالتهوين من أهمية الخبرات الخاصة أو الممارسات الشخصية ولكنه يرى أن التشخيص الدقيق يجب أن يستند إلى البحوث العلمية الدقيقة التي تتوفر فيها درجة عالية من الموضوعية. من هنا يرى الدكتور أحمد أبو زيد أن هذه قد تكون فرصة لدعوة وزارة الثقافة إلى إجراء مثل هذا البحث على مستوى المجتمع المصري كله بشرائحه وقطاعاته المختلفة إن كان مثل هذه البحوث الميدانية تدخل في اختصاصها واهتمامها.
وما يقول به أبو زيد يؤكد وجود أزمة ثقة بالنسبة للوضع الثقافي العام بكل مكوناته. ولكن هذه الازمة تقابلها، حسب أبو زيد، رغبة صادقة في الإصلاح الهادف الذي يتوخى من ناحية اللحاق بالإنجازات الثقافية العالمية واتباع أساليبها في تغليب العقلانية والنظرة العلمية الموضوعية إلى الأمور واستخدام أساليب البحث المتطورة في الإنتاج الثقافي والاستفادة من التيارات الفكرية المتجددة في تجديد وإثراء الفكر المصري، كما يتوخى من الناحية الثانية وفي الوقت ذاته المحافظة على الرصيد الثقافي الضخم المتوارث الذي حققه الإنسان المصري خلال تاريخه الطويل بكل ما تعاقب على المجتمع من حضارات وثقافات وديانات، مع إعادة النظر في هذا الرصيد وإخضاعه للبحث النقدي وقراءته قراءة جديدة وتفسيره في ضوء النظريات والاتجاهات الحديثة والاسترشاد بأهم قضاياه في فتح مجالات جديدة من الإبداع تكفل له الاستمرار المتجدد والمتنوع مع الاحتفاظ بأهم مقوماته كعنصر أساسي في تكوين العقل المصري.
فالتراث الثقافي المصري، حسب أبو زيد يؤلف متصلا تاريخيا وعقليا متماسكا ومتكاملا تدخل فيه عناصر فرعونية وقبطية وإسلامية لا تزال تنبض بالحياة وتكشف عن قدرتها على التطور والتشكل بحيث تتلاءم مع الأوضاع المستجدة رغم كل ما يقال عن جمود التراث ولا تزال رواسب هذا التاريخ موجودة في حياة المصريين المعاصرين بشكل أو بآخر وتؤلف جانبا لا يستهان به من الثقافة الشعبية التي هي في آخر الأمر المستودع الكبير لانساق الأخلاق والقيم الموجهة للسلوك والعلاقات. وهذه الحقيقة، التي يتوقف عندها أبو زيد، انتبه إليها كثير من الكتاب والرحالة الأجانب وعبروا عنها أصدق تعبير، لذلك فإنه يسترشد ببعض ما كتبته إحدى السائحات البريطانيات في القرن التاسع عشر وهي ‘ليدي لوسي دف جوردون’ إلى زوجها أو إلى أصدقائها أثناء بعض رحلاتها النيلية والتي تكشف عن قوة ذلك المتصل الثقافي التاريخي .. يقول أبو زيد : في رسالة إلى صديق يوم 18 إبريل 1863 تقول السائحة : ‘ ليس ثمة ما يثير الانتباه أكثر من الامور التي تدفع الإنسان إلى أن يتذكر هيرودوت بشكل دائم وباستمرار، فالمسيحية والإسلام في هذا البلد يحملان كثيراً من مظاهر العبادة القديمة. بل إن الحيوانات المقدسة أصبحت الآن في خدمة الأولياء المسلمين. ففي المنيا يسخر الناس التماسيح لأغراضهم. وقد رأيت حجر أفعى أيسكولوبيوس في جبل الشيخ هريدي.
ولقد قدمت بنفسي الطعام للطيور مثلما فعل هيرودوت وكانت الطيور تنقض على حبال المركب التي تمنع عنها الطعام فتقطعها. وقد أمكن للشيخ نوح أن يسخر الطيور لخدمته كما أنها لا تزال تتوافد وتحط بكثرة على باخرتنا طلبا للخبز دون أن يجرؤ أحد على أنه يمنعه عنها. ولا تزال قطط بوبسطس تجد طعامها في بلاذ القاضي وعلى نفقة المال العام في القاهرة … ومن بين كل الآلهة فإن آمون رع – إله الشمس وقاتل التنين – يسمى نفسه الآن مارجرجس (وهو نفسه سان جورج) الذي يقدسه المسيحيون والمسلمون على السواء وفي نفس الكنائس، كما أن أوزير يس لا يزال تقام أعياده واحتفالاته بنفس الصخب والضجيج في طنطا في الدلتا تحت اسم السيد البدوي، ولا تزال النساء الفلاحات يقدمن للنيل الأضحيات والقرابين ويطفن حول التماثيل القديمة من أجل الإنجاب كما أن شعائر الولادة والموت ليست إسلامية وإنما هي مصرية قديمة’.
هذا مايدفع الدكتور أبي زيد إلي القول إن التراث خليق إذن بالإحياء لأنه يكشف عن مدى تماسك القيم الإنسانية التي تضمها أحداثه واستمرار هذه القيم تحت صور وأشكال مختلفة تحتاج إلى دراسة وتفسير يتجاوزان مجرد السرد القصصي الذي تتسم به دراسة وتدريس التاريخ المصري في مراحله المختلفة حيث يكتفي بسرد الوقائع والأحداث دون قراءة ما يكمن وراءها من معان إنسانية رفيعة، بل وكثيراً ما يتم إلغاء جوانب هذا التاريخ التراثي الذي يؤلف جزءا كبيرا من الثقافة الشعبية على زعم أنه يمجد عصور الوثنية وإلا فما معنى إغفال الاحتفال التقليدي بعيد وفاء النيل رغم ما يمكن استخلاصه من قيم اجتماعية وأخلاقية من الأسطورة المتعلقة ببكاء إيزيس لمقتل أوزيريس ففي هذه الأسطورة من المعاني المتعلقة بالوفاء والصبر ومحاربة الشر وبخاصة من جانب المرأة ما يستحق إبرازه وتداوله بين الأجيال. وهنا يضيف أبو زيد أنه من الغريب أنه في الوقت الذي تقف مصر أو بعض الفصائل التي تعتبر نفسها بغير سند حقيقي مسئولة عن المحافظة على الدين والأخلاق هذا الموقف العدائي من بعض جوانب التراث في صورته الشعبية التي تحمل قيما اجتماعية وأخلاقية سامية نجد الهند مثلا تحتفل كل سنة بملحمة الرمايانا الشهيرة عن طريق تقديمها في شكل مسرحية كوسيلة لتلقين الفتيات بطريق غير مباشر الحقوق والواجبات والالتزامات التي ينبغي التمسك بها إزاء الزوج والعائلة دون الحاجة إلى إلقاء الدروس والمواعظ التي كثيرا ما لا تجد لها الصدى المطلوب.
ورغم ذلك فإن هذه الصور الشعبية، من وجهة نظر الدكتور أبو زيد، لا تؤلف بطبيعة الحال التراث الثقافي كله فهناك الأعمال العلمية والفلسفية والأدبية واللغوية والتاريخية الخليقة بالإحياء والدراسة باعتبارها جزءا من تاريخ الفكر العربي بوجه عام. وربما يكون الزمن تجاوز التراث العلمي نتيجة للتطورات العلمية الهائلة التي شهدتها العقود الأخيرة بوجه خاص ولكن يبقى هناك التراث الإنساني الضخم الذي يمكن تبسيطه وشرحه وتفسيره للأجيال المتتالية، بل ويبقى أيضا، إلي جانب ذلك حسب أبي زيد، المناهج والأساليب التي اتبعت في البحوث والكتابات العلمية والتي يمكن الاسترشاد بها في تطوير منهجيات مناسبة للعصر تكون إسهاما جديدا ومعاصرا من العالم العربي إلى جهود العلماء في الخارج بدلا من موقف الانتظار السلبي الذي يقفه علماؤنا الآن لتلقي ما يجود به الغرب علينا من علم وتكنولوجيا واكتشافات جديدة تغير كل يوم مسار الحياة.
ويتوقف الدكتور أبو زيد في بحثه عند نقطة مهمة هي مشكلة اللغة وهي إشكالية سبق أن أثارها عديد من المفكرين قديما وحديثا بينهم طه حسين وقاسم أمين وأحمد لطفي السيد . فحسبما يرى أبو زيد فإن الحديث عن التراث يؤدي بالضرورة إلى التعرض إلى اللغة التي كتب بها هذا التراث وهي اللغة العربية وذلك إذا نحن تجاوزنا الحديث عن اللغة المصرية القديمة وإحيائها أسوة بما فعلته إسرائيل باللغة العبرية. والشكوى من وضع اللغة العربية في المجتمع المصري أصبحت ظاهرة تستحق الدراسة ومشكلة تتطلب الحل. وكثير من الذين يتعرضون أو يعرضون أنفسهم لإيجاد الحل المناسب يرون أن العيب في اللغة ذاتها سواء من حيث تعقد قواعد النحو والصرف أو استخدام الحرف العربي في الكتابة بكل ما تحتاجه من تغيير الشكل حسب مكانه وموضعه في الكلمة أو من حيث النقط أو وضع النقط فوق أو تحت الحرف وغير ذلك دون أن يروا أن العيب هو في أسلوب التدريس وإعداد المعلم واختيار النصوص التي يتم تدريسها للتلاميذ والطلاب في مراحل الدراسة المختلفة كما أنهم يتناسون أن الأخذ بالاقتراحات التي يقدمونها معناه إهدار كل التراث العربي والإسلامي المكتوب بل وإسقاط قراءة القرآن من الاعتبار إلا إذا أعدنا كتابته بالأسلوب والطريقة والشكل المقترح مع أن القرآن هو الوعاء الذي يحفظ اللغة العربية في شكلها المتوارث والمقبول عبر العصور الإسلامية. إلي جانب ذلك يرى الدكتور أبو زيد أن هناك مشكلة أخري لاتقل تأثيرا ألا وهي الانصراف عن اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية وبخاصة الانجليزية بل والاعتزاز بذلك. وليس ثمة عيب في تعلم اللغات الأجنبية بل إن هذا الأمر مطلوب في عصر ازدادت فيه حركات الاتصال والتواصل بين الشعوب والثقافات أما أن يكون تعلم اللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية فإن ذلك معناه إهدار أحد مقومات الهوية الثقافية والقومية على السواء. فاللغة ليست مجرد كلمات وألفاظ وإنما هي أسلوب للتفكير وأداة للتواصل والتفاهم ورمز للانتماء لثقافة معينة ولوطن معين وقومية معينة أيضا.
من هنا يخلص أبو زيد إلي أن الثقافة المصرية لم تكن في وقت من الأوقات مجرد كيان مغلق على ذاته وإنما كانت دائما كيانا حيا ومتطورا ومرتبطا بالثقافات الأخرى التي تسود المنطقة التي يتوسطها المجتمع المصري، بمعنى أن الثقافة المصرية كانت لها خلال التاريخ علاقات متبادلة وإن اختلفت وتفاوتت درجاتها في القوة أو الضعف مع ثقافات البحر المتوسط والثقافات الأفريقية وبطبيعة الحال الثقافة العربية الإسلامية كما اختلفت درجات التأثير والتأثر من حالة لأخرى ومن وقت لآخر تبعا للقدرة على الانتشار وتجاوز الحدود الجغرافية وطبيعة عمليات التواصل وهذه كلها أمور سبقت دراستها وكثر الحديث فيها بحيث قد يصعب إضافة جديد إلى ما كتب وما قيل بالفعل.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة