السبت 2024-12-14 06:46 ص
 

الشائعة وغياب الرواية الرسمية

08:52 ص
امتاز الفضاء العام خلال الفترة الماضية في الأردن بانتشار الشائعات في مختلف المجالات، حتى بتنا لا نعرف متى نصدق الخبر أو القصة التي يتم تداولها جماهيريا، هذه الظاهرة باتت ظاهرة مقلقة، ويجب التعامل معها بجدية.اضافة اعلان


ولكن لكي يتم التعامل مع حالة الشائعات لا بد من فهم حالة الشائعة وما يساعدها على الانتشار، فالشائعة هي خبر ملفق حول موضوع مطروح للنقاش الجماعي، وتتناسب قوة الشائعة طردياً مع أهمية الموضوع أو الخبر ومدى الالتباس حوله، فكلما زادت أهمية الموضوع زادت قوة انتشار الشائعة، وكلما زاد الالتباس حول الموضوع أو الخبر أو قلة المعلومات زادت قوة الشائعة وانتشارها.

وغالباً ما تستند الشائعة لجزء صحيح من الخبر، وتحيك حوله مجموعة من الأكاذيب التي تؤكد تقصير الجهات الرسمية أو وجود مؤامرات خفية لا تريد الجهات الرسمية التحدث عنها، وهو ما يجذب الناس لتناقل الشائعة، لأنهم يشعرون أنهم يقومون بكشف أمر مخفي أو محاسبة مسؤول مقصر.

وفي البعد النفسي للسلوك الفردي والجماعي بتناقل الشائعة تمت ملاحظة أن من يتناقل الشائعة ويساعد في نشرها يشعر أنه ينتمي للمجتمع وأنه عنصر إيجابي فيه، من خلال شعوره أنه بنشر الشائعة (مع اعتقاده بصحتها) يحمي المجتمع، ويبعد الناس عن التضليل من خلال إيمانه بصدق الشائعة.

وكما تشير الدراسات العالمية، فلدى العامة رغبة بتصديق الأخبار السيئة والأخبار التي تدعي وجود مؤامرة أكثر من رغبتهم بتصديق الأمور الجيدة أو الحقيقية، وتحديداً في حالة أن الشائعة كانت تستجيب للآمال والمخاوف والأحاسيس الداخلية لدى المجموع العام.

وحتى يتم تصديق الشائعة يجب أن تتمتع بثلاث صفات هي القابلية للتصديق، والرغبة بالتصديق، والتكرار.

أما القابلية للتصديق فهي عنصر يتضمن كيفية بناء الشائعة، بحيث يكون بناؤها قابلاً للتصديق من قبل العموم، من خلال تقديمها إجابات لمخاوفهم وأسئلتهم، وتعاملها السريع مع الحدث بحيث تسبق المعلومة الرسمية الكاملة.

في حين أن الرغبة بالتصديق عنصر يتعلق بالحالة النفسية والاستعداد لدى العموم، بحيث تستجيب الشائعة لهاجس مستتر، فالعامة تتشبث بالافتراءات والأسرار وتحولها إلى شائعة عندما تشعر أن في استهلاكها منفعة أو مصلحة ما، فالشائعة تعبر بكل بساطة عما نفكر فيه بصمت ولا نجرؤ على قوله علانية بصورة فردية، فتصبح الشائعة تعبر عنا دون أن نكون من أطلقناها، وهنا يزداد تداول الشائعة.

أما التكرار فهو عنصر يتعلق بسايكولوجية التعامل الإنساني مع المعلومة، فكلما كبرت الشائعة، أصبحت أكثر إقناعاً، وتتحول في النهاية إلى حقيقة مؤكدة، وبحسب الدراسات العلمية فإن الاقتناع يتكون لدى المرء إثر تلقيه المعلومة نفسها من أشخاص عدة، فعندما يردد أشخاص مستقلون بعضهم عن بعض المعلومة نفسها، يسهل استنتاج أنها صحيحة.

في الأردن تزايدت الشائعات مع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب ذلك حالة من المزاج العام السلبي الذي يرى حالة من الخراب المستمر في الدولة، وتكاثر الانتقادات في المجالات المختلفة، وكذلك تحميل كل حكومة الأخطاء للحكومات السابقة والتهجم عليها، وكذلك هجوم المسؤولين على الدولة لحظة خروجهم من منصبهم وكشفهم لتعرضهم لضغوط ولمشاهدتهم حالات فساد.

كل ذلك خلق بيئة جيدة لتداول الشائعات وانتشارها، في مختلف الأوقات، وتحولها إلى قناعات نهائية عند الأفراد.

وفي الأزمات يظهر ضعف أداء أجهزة الدولة وغياب الرواية الرسمية المكتملة، وغياب التواصل مع العامة، مما يخلق مساحة خصبة للشائعات.

ومع توالي الأزمات تثبيت انطباع ضعف أداء الدولة وضعف الرواية الرسمية للأحداث، صار المواطن جاهزاً نفسياً للتعامل مع الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي كحقائق، وهو ما زاد من قوة الشائعة.

وبالتالي على الدولة العمل الجاد على تقليل فرص انتشار الشائعات من خلال التعامل مع الأزمات وفق أساليب مختلفة عما تم التعامل معها في الفترات الماضية، بحيث يكون لدى الحكومة والأجهزة المختلفة تنسيق عالٍ، وأن يكون هناك أداء إعلامي قوي، من خلال وجود خلية أزمة إعلامية، وظهور إعلامي متتالٍ، وتقديم المستجدات، بحيث تملأ الرواية الرسمية الفضاء الإعلامي والتواصلي، وتكوين رواية محبوكة تجيب عن الأسئلة التي تدور في عقول المواطنين، والتعامل مع الشائعات بسرعة ونفيها وتقديم المعلومة الحقيقية والصادقة.

وحتى تلك اللحظة المرتجاة سيبقى الأردن أسيراً للشائعات والتذمر منها، وتبقى الحقيقة والإنجاز هما أبرز ضحايا الشائعات في الأردن.

 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة