الخميس 2024-12-12 10:40 م
 

بلا تشبيه

06:26 ص

تقول الحكاية بأن الفلاح بوريدان رغب أن يوفر لحماره العزيز جميع الظروف المناسبة، لأنه أراد السفر من القرية الى المدينة والغياب عنه أسبوعا كاملا. وضع بوريدان حماره العزيز فيالإسطبل، ووفر له برميلا من الماء القراح ،وترك له أمام البرميل كومتان كبيرتان واحدة من تبن القمح الطازج ، والثانية من تبن العدس الطازج ، بحيث يأكل الحمار ما يريد ،ثم يروي عطشه من برميل الماء.اضافة اعلان

ودع بوريدان حماره ، وأغلق باب الإسطبل وسافر. نظر الحمار بكل فرح الى كومتي التبن الطازجتين ، تشمم الأولى فشعر بأن عطر سنابل القمح، وهي تداعب الهواء، يتسلل الى أنفه ويمنحه احساسا قويا بالحيوية والنشاط. تشمم الثانية فأحسن بأن بيادر العدس المائلة الى الاخضرار تدعوه الى أن يرتع منها هنيئا مريئا.
الكومتان رائعتان طازجتان، لكن من أين يبدأ ،..من سنابل القمح أم من بيادر العدس:
-من هنا.
-لا من هناك.
-من هنا.
-من هناك
-لا.....من هنا.
هنا هناك.... هنا هناك...هناك هنا.....واستمرت هذه الحيرة عند حمار بوريدان العزيز، حتى غابت الشمس وانتهى النهار ، لكنه لم ينم ،فقد كان جائعا ومحتارا من أين يبدأ الأكل .
وهذا ما حصل في اليوم الثاني والثالث والرابع .......!!
وحينما عاد الفلاح بوريدان من سفرته ، وجد حماره العزيز وقد مات جوعا في المنطقة الفاصلة بين الكومتين .
بلا تشبيه وبدون ترميز، ، فإن حالنا أسوأ من حال حمار بوريدان، لأن خيارنا ليس بين الأفضل والأفضل ، بل بين الأسوأ والأسوأ.
فهناك أوضاع قائمة في بلاد الشام ومصر وافريقيا العربية وصلت الى حدها في الفساد والإفساد وتهميش معظم الطبقات الحية داخل مجتمعاتها، هذه المجتمعات التي نخرتها هذه الأنظمة وحولتها الى مرتع ومصيف ومشتى للدول الاستعمارية الكبرى، وبالتأكيد فقد تم الدوس على كرامة شعوبها وتجويعها والاستدانة باسمها والتوقيع باسمها . والتالي تكون هذه الأنظمة قد فقدت شرعيتها الثورية التي جاءت من بها قبل عقود، وتحولت الى انظمة توارثية بعد ان اصبحت العائلات الحاكمة هناك على رأس القوى الاجتماعية التي تمتص خيرات البلد ومقدراتها
ومن الناحية الثانية هناك ثورات شعبية عظيمة، اشعلها شباب الربيع العربي بعد أن وضعته الأنظمة على الحافة، وجردته من معظم مقومات الحياة الحرة الكريمة، فنزل الشباب الى الشارع وحققوا بالدم أعز الأهداف، وهو اسقاط عدد من الأنظمة وخلخلة بعضها .
لكن هؤلاء الشباب لعفويتهم وبراءتهم وبما لقلة خبرتهم ، لم يستطيعوا الحفاظ على مكتسبات الثورة ولا على طهرها الثوري، وتدريجيا استولت على الثورة قوى اخرى اقصائية استبعادية واستعبادية ، ولا تمثل كامل مقومات المجتمع، لكنها، اما تمتلك صناديق الاقتراح أو تمتلك السلاح والمال اللازمين لفرض هيمنتها.
وهكذا عدنا الى بيت القصيد ، ولم نعد نحن ابناء الشعب العاديين تماما ، لم نعد نستطيع الحكم بسهولة على ما نريد، ولم نعد نستطيع الاختيار، الا بين الأسوأ والأسوأ، بعكس حمار عزيزنا بوريدان الذي مات لأنه لم يستطيع الاختيار بين الأفضل والأفضل.
انا متفائل دوما، لكني لا أرى في نهاية النفق بصيص نور حتى الان!!وكم أتمنى أن أكون مخطئا ويفاجئنا شباب الربيع العربي الثوري الطاهر بأنه قادر على استعادة ثورته..
فلنتفاءل بالخير، لعلنا نجده.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة