د. محمد وليد العبادي
نجاح الديمقراطية يتعزّز بحصول الحزب أو الإئتلاف الحزبي على الأغلبية داخل المجلس التشريعي (مجلس النواب) وهذا يؤدي منطقياً أن يشكّل هذا الحزب أو الإئتلاف الحزبي الحكومة من رئيس الوزراء والوزراء الحائزين على الأغلبية البرلمانية.
وبمنح البرلمان ثقته للحكومة وفقاً لبرنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي المعلن قبل الانتخابات ويخضع هذا البرنامج لرقابة البرلمان حتى نهاية مدّته وبدء انتخابات نيابية جديدة. وخلال التصويت على ذلك الحزب تحاسبه السلطة الشعبية امّا بتجديد ثقة الشعب به أو حجبها عنه وإسقاطه من خلال صناديق الاقتراع.
هذه هي الديمقراطية المنبثقة من الدستور والتي تسود في الأنظمة النيابية الديمقراطية.
وعودة الى الاردن فالمراقب المتتبع للمشاورات التي أجراها ويجريها رئيس الديوان الملكي بتكليف من الملك مع النواب وتهدف الى استمزاج آراء النواب كتلاً ومستقلّين للوصول الى تسمية رئيس الوزراء القادم.
ولكن ما رشح من مشاورات رئيس الديوان الملكي مع النواب، أن بعض الكتل النيابية ترغب بتوزير نوّابها ليجمعوا بين النيابة والوزارة وهذا مخالف للديمقراطية النيابية التي تحدّثنا عنها آنفاً، ومخالفٌ كذلك للدستور والعرف.
ودليلنا ما يلي:
أولاً: في القسم الثاني من الدستور المخصّص لمجلس النوّاب فإن جميع المواد التي تضمّنها الدستور من المادّة (67) وحتّى المادة (74) لم تنص هذه المواد لا صراحةً ولا ضمنا على تعيين النوّاب كوزراء والجمع بين النيابة والوزارة.
ثانياً: ما يزعمه البعض (المستوزرين) ومن ينظّر لهم بأنه قد سبق أن تم توزير نوّاباً وهذا أصبح عرفاً، ونرد عليهم بأن زعمهم مردود عليهم لأن العرف الدستوري يُعرّف بأنه عادة درجت عليها هيئة حاكمة في موضوع ذي طبيعي دستورية واستقرّت في ضمير الجماعة كقاعدة ملزمة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فالعرف له ركنان، ركن مادّي وهو تصرّف إيجابي أو سلبي لإحدى الهيئات الحاكمة بصورة مطّردة وثابتة وواضحة في شأن من الشؤون ذات الطبيعة الدستورية، ويشترط فيه التكرار والعمومية والإطراد والثبات والوضوح والقدم.
أمّا الركن المعنوي فهو عادة أو اعتياد يجب أن تتوافر فيها صفة الإلزام ويجب أن يستقر في ضمير الجماعة بأن هذه العادة ملزمة واجبة الإتباع.
وإذا ما رجعنا للتطبيق النوّاب فنجد أنّ هناك حالتان فقط تمّ فيهما توزير النوّاب الأولى في عام 1989 في مجلس النوّاب الحادي عشر والثانية في عام 1993 في مجلس النوّاب الثالث عشر وكان الهدف هو أن يحصل رئيس الوزراء وحكومته على ثقة النوّاب.
وهاتان الحالتان لا تنطبق عليهما شروط العرف السابق الإشارة إليه.
زد على ذلك وهو الأهم تصريح المغفور له الملك الحسين في عام 1993 عن فشل تجربة توزير النوّاب في الأردن، في حديث لبرنامج ستّون دقيقة، حيث قال رحمه الله بالحرف الواحد ' إن النائب رقيب للحكومة ولا بدّ أن يكرّس جهده ووقته في أداء دوره التشريعي والرقابي وأضاف أن قضية الجمع بين النيابة والحكومة ستزيد من المشكلة لأن الشخص سيقوم بخدمة القريبين منه على حساب الجماعة'.
ويكفينا استشهاداً بقول المغفور له بإذن الله الراحل الملك الحسين.
ثالثاً : إن بعض الذين يسمّون أنفسهم فقهاء دستوريّون يستشهدون بالمادة (52) من الدستور لتأكيد توزير النواب.
ونحن نقول أنهم لا يفهمون غاية المشرّع الدستوري من وضعه هذه المادة والتي تنص (لرئيس الوزراء أو للوزير الذي يكون عضواً في أحد مجلسي الأعيان والنواب حق التصويت في مجلسه وحق الكلام في كلا المجلسين ... )
ونحن نرد عليهم فنقول أن غاية المشرّع الدستوري من إدراج المادة (52) من الدستور كان يقصد منها وصول الأغلبية الحزبية إلى مجلس النوّاب وتشكيل حكومة حزبية وذلك حتى يتمكّن من الدفاع عن سياسة حكومته الحزبية النيابية.
وخلاصة القول أننا اذا ما أردنا تعزيز تجربتنا الديمقراطية وعمادها مجلس النواب العتيد، أقول وبعيداً عن المجاملات وعن وضع شرط التوزير من بعض النواب كتلاً ومستقلين كشرط لمنح الثقة على نوابنا الذين نُكن لهم كل الاحترام والتقدير أن يترفّعوا عن قبول المنصب الوزاري وألّا يسعوا اليه، لأن دورهم هو أهم من كل المناصب الوزارية حيث أن النيابة أمانة مقدّسة وثقة مطلقة منحهم اياها الشعب يجب أن يرسخوها في ضمائرهم، فهم السلطة التشريعية المسؤولة عن المراقبة والتشريع لشعبهم بقوانين دستورية ترسّخ الحقوق وتحافظ على الحريّات وتعيد الاقتصاد الذي هو على شفا حفرة إلى مرحلة الأمن والأمان وذلك من خلال إعادة النظر بكل القوانين الاقتصادية التي مرّرتها مجالسنا السابقة مرور الكرام لغاية في نفس يعقوب.
أمّا بالنسبة لرئيس الوزراء القادم فالمطلوب منه حسم قراراته من البداية وعدم توزير أي نائب لاستجداء الثقة.
كما أنّ واجبه وهو رئيس السلطة التنفيذية عند اختيار وزرائه سنداً للمادّة (35) من الدستوروالتي تنص على أن 'الملك يعيّن رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعيّن الوزراء ويقبل استقالتهم بناءاً على تنسيب رئيس الوزراء'.
فاختيار رئيس الوزراء لوزرائه حقٌ محفوظٌ له بالدستور مع ثقة ملكية أُعطيت له.
وعليه عند اختيار وزرائه أن يتروّى ويبحث عن الكفاءات المؤهلة القادرة ويربأ بنفسه عن المحسوبية والقرابة والنسبي والمصاهرة والصحبة، ومطلوبٌ منه كذلك أن يتجاهل وزراء سابقون كثيرون كانوا سبباً في ما وصلنا إليه.
وأخيراً نريد رئيساً لحكومتنا قوياً حازماً صاحب قرار جريء يؤهّله لحل مشاكل الأردن المستعصية ومعالجة السوس الذي نخر كل شيء.
نريد حكومة إصلاح شامل لا حكومة ترقيع وحكومة مرحلة ترحّل أزماتها إلى الحكومات التي تليها وهذا ما كان يحدث سابقاً.
علينا الانتظار لما سوف يحدث بعد تشكيل الحكومة العتيدة ... وهذا ما سوف تثبته الأيّام القادمة ...
هذا هو تحليلنا ورأينا ونعتقد أنه يصبّ في إطار المصلحة العامّة للأردن والأردنيّين.
د. محمد وليد العبادي
استاذ القانون الدستوري والادراي كلية القانون
جامعة آل البيت
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو