قرار ديوان تفسير القوانين الأخير الذي أضاف المزيد من التضييق على الحريات العامة؛ إذ يطال إلى جانب الصحفيين، حرية التعبير التي تعني الناس كافة، العامة والنخب على حد سواء، هو قرار يتزامن مع ما نشهده حاليا من تصعيد في مراقبة منصات الحوار العام، وفي مقدمتها الإنترنت التي يستخدمها الناس عامة. إذ ازدادت مؤخرا، وبشكل ملفت، القضايا المرفوعة أمام المحاكم، والتوقيف على خلفية قضايا حريات التعبير.
ما لاحظناه خلال الأيام الماضية من تصعيد وتعبئة ضد هذا القرار، وضد الحالة العامة لحرية التعبير، هو أنهما انحصرا بالإعلاميين، وكأن تراجع حرية التعبير ومحاصرتها تخصان الإعلاميين وحدهم. فيما لم يُلتفت إلى أن سلسلة من الإجراءات أسهمت، خلال الفترة الأخيرة، في تهشيم حرية التعبير التي تعني الناس كافة، وتدل على عافية الدولة والمجتمع معا. والأمر المثير هو أن تراجع حالة حرية التعبير لا تقتصر مصادرها على الإجراءات والتضييق الرسميين. بل هناك ممارسات مجتمعية ونخبوية، تكاد تكون أقسى من الممارسات الرسمية، لعل أبرز أمثلتها القضايا التي تحرك باسم 'ازدراء الأديان'.
كان الديوان الخاص بتفسير القوانين اعتبر 'جرائم الذم والقدح المرتكبة أو المقترفة من المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي مشمولة بأحكام المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية وأحكام المادة 114 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وليس بالمادتين 42 و45 من قانون المطبوعات والنشر'. وهذا عمليا يضع المجتمع بأكمله بين فكي كماشة. صحيح أن حرية التعبير على الإنترنت تتراجع عالميا، وصحيح أن هناك مبررات أمنية تتطلب مراقبة المجال العام وتفويت الفرص على الإرهابيين والحد من استغلالهم لهذه الوسائل. لكن التساؤل هو بشأن أن لا تتحول القوانين التي جاءت من أجل الحد من استخدام الإرهاب والتطرف لمنصات التعبير العام، إلى أداة بأيدي قوى متطرفة محليا نعرف تاريخيا أنها كانت حاضنات تفرخ الإرهاب الأسود.
علينا الانتباه إلى الفرق بين حرية التعبير وحرية الصحافة. فالحرية الأولى هي التي تؤسس للثانية. وإذا لم تقم النخب، وفي مقدمتها الإعلاميون، بالدفاع عن حرية التعبير، فإن ضمانات حرية الصحافة ستكون في مهب الريح.
حرية التعبير هي حرية الناس كافة في تقديم الآراء ومناقشة الشؤون العامة والقضايا الفكرية والاهتمامات المختلفة في المجال العام. أما حرية الصحافة، فهي مقيدة بالقيم والمعايير المهنية والأخلاقية. والبيئة التي لا تحمي حرية الناس في التعبير، لن تحمي حتما حرية الصحافة.
تراجعت كثيرا حرية التعبير على الإنترنت بشكل عام، خلال السنوات الأربع الأخيرة، في معظم أنحاء العالم. وهذا ما ذهب إليه تقرير 'حرية الإنترنت' الصادر الأسبوع الماضي عن منظمة 'فريدم هاوس'، والذي سجل تراجعا حتى في بعض الدول الديمقراطية العريقة، مثل فرنسا التي لجأت مؤخرا إلى إجراءات للتضييق على حرية التعبير على الشبكة. وقد يكون بعض الإجراءات مبررا في ضوء حجم الاستخدام الذي يتناقض مع أهم حقوق الإنسان؛ أي الحق في الحياة، فهناك ما يقدر بنحو 17 ألف موقع إلكتروني يروّج ويحرّض على الإرهاب، وهناك ما معدله نحو 5 آلاف تغريدة يوميا تحرض على الإرهاب، على 'تويتر' وحده.
مع كل ذلك، فإن معادلة الأمن وحماية حرية التعبير يجب أن تكون حاضرة، بحيث لا يُجعَل من القوانين والإجراءات التي تُسنّ وتُتخذ من أجل حماية المجتمع، أداة في أيدي المتطرفين.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو