الإثنين 2024-12-16 12:37 ص
 

رسائل ملكية من المسجد الحسيني

02:41 م

هاني البدري

ثمة دلالات من العمق.. ما لا يُمكننا التغاضي عنها في زيارة الملك إلى وسط البلد من جديد وأداءه لصلاة العيد في المسجد الحسيني بين أبناء عمان الشرقية ,وعلى تماس مع صفوف المصلين من الأردنيين البسطاء من تجار وسط البلد وأهالي عمان الاصل ..سقف السيل والمهاجرين وسوق السكر واليمانية والبخارية وأولئك المُهمشين من أبناء الأردن الذين تربوا على سبيل المسجد الحسيني متوضئاً وكَبروا مع المسجد الكبير, وأدركوا في يقينهم أن لا عودة إلا الى هنا، حيث بساطة الأردنيين الذين تعودوا أن يقولوا للمغفور له الحسين طيب الله ثراه، بعد كل صلاة عيد ما يطيب لهم من قضايا وهموم , ولعلهم استعادوا روحهم صبيحة عيد الفطر السعيد.. ليجدوا أن الحكاية الهاشمية مستمرة حتى وإن شهدت من تشويش أهل الثقة وبطانة المصالح وفساد الدوائر القريبة ما بدا لضعاف النفوس أنها عكس ذلك.

في زيارة جلالة الملك عبد الله إلى المسجد الحسيني صبيحة العيد جملة رسائل لمن أراد.. فهي احياء بوقته لسُنة المؤسس الملك عبد الله في تواصله مع ناس عمان عاصمة المُلك، وجدانها الحقيقي ولسانها الصادق المُترفع عن نفاق أهل المصالح وأصحاب عنوان 'كل الأمور بخير وتمام يا سيدي' ..هي عودة لروح عمان التي إعتادت أن تحتفل بالعيد على وقع خطوات الملك قافزاً من سيارته متجاوزاً كل البروتوكولات والحرس ليرمي نفسه في حضن الناس من طيبي هذا البلد.

صلاة العيد في المسجد الحسيني اليوم وفي هذه الظروف التي نمر بها بإرادتنا أو رغماً عنا، لا أدري.. هي عودة لمعنى الجامع الكبير فالحسيني كما درجنا على تسميته الجامع الحسيني.. كان جامعاً لإرادة الناس لأحلام الأردنيين ,كان سقفاً واحداً لدعائهم وإبتهالاتهم ,الجامع الكبير كان روح عمان التي عادت صبيحة الأحد.. كان العيد هو الحسيني.

جلالة الملك بكل ما أُوتي من سُنة المؤسس وإرث الحسين في أعياد الله هنا في المسجد الحسيني، أعطى معناً آخر للحراك.. فهنا جامع الموقف والرأي وهنا 'الكلمة السواء بيننا وبينكم'.. وهنا تُعَظَم الجوامع وتُحترم الفروق.

ثمة رسائل أيضاً في صلاة العيد بالمسجد الحسيني يقيني أنها جاءات بوقتها، فالزيارة تأتي كما رشح عقب الزيارة من نتائج في وقت تغولت فيه إرادة العشوائية والعضلات المفتولة على مقدرات البلد وأهلها.

هنا حيث شاهد الملك بإستياء واضح هذا الكم الهائل من البسطات العشوائية المنتشرة في فضاءات البلد ,حيث لا مكان لموطئ قدم مواطن يحلم بالسير على رصيف، ولا احترام لحرمات الله مع هذا التدني الواضح لنظافة وسط عمان.

على أرضية الباحة الأمامية للحسيني التي كنا نراها بيضاء مُشعة منذ سنوات كلما كان التلفزيون يبث زيارة ملكية للمسجد الكبير, سواد قاتم، تكاد لا ترى لون الباحة .. بسبب هذا الإنتهاك المُجحف لحرمات الله وبيته ,تحت شعار 'الإسترزاق'.

البسطات المتوغلة كالسرطان على إمتداد شارع طلال وفي كل الإتجاهات ,تلك الأكشاك العشوائية أمام سوق السكر وبوابات الجامع الكبير، كانت بارزة في زيارة الملك ولعل كل ما جرى عقب الزيارة من تحركات (روبوتية) من بعض مؤسسات الدولة تُنبأ بتوجيهات واضحة المعالم.. بأنْ لا تَساهُل مع حقوق الناس ومقدراتهم وارصفتهم ولا تهاون مع التمادي على القانون.

ثم نظافة عمان.. ها هي تعود إلى الواجهة بعد الزيارة وكأن جنود الأمانة يخرجون كالفينيق من رماد السكون وقلة الحيلة، ليستجيبون لتوجيهات الملك بضرورة إستعادة ألق عمان التي قضينا أعمارنا نباهي بنظافتها كل العرب.

الزيارة بكل بساطتها وعفويتها قالت لنا: (أقصد قالت للمسؤولين) كُفُوا عن إسطوانة الأوامر التي تأتي من فوق.. وأعملوا بجزء مما أوتيتم به من مصالح وإمكانات وصلاحيات، لتتأكدوا أن إعادة هيبة الدولة ليست أمراً من الخيال أو أن فرص القانون على الجميع.. (أقصد الجميع) ليس مستحيلا..؟!اضافة اعلان

كانت زيارة المسجد الحسيني دائماً جزءً لا يتجزأ من تفاصيل العيد بكل ما تحمله من فرحة وتواصل وسعادة أطفال 'وعيديات' ومحطة لإزاحة هَمْ ,أو تجاوز أزمة، كانت عيداً وستبقى طالما آمنا أن الجامع الكبير في عمان الوسط والأصل والبداية سيبقى جامعنا على الرأي والموقف.

الحسيني هو .. هو, كما كان منذ الخمسينيات ملاذاً للأردنيين الذين حُفرت في وجدانهم صورة الملك الذي يقفز بين الصفوف في صلاة العيد والذين كبرت بهم الأيام على صوت آذان أبو شوشة وترتيل كامل اللالا ومحمد رشاد الشوا.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة