السبت 2024-12-14 06:57 ص
 

شبعنا سحباً كاذبة

12:54 م

في تموز لا ترتفع معدلات الجرائم والسرقات والمشاجرات والمشاحنات والطلاقات فقط، بل تموز كان منذ البدء شهراً موغلاً في العنف حدّ الذرة وقنابلها، ومتخماً بالثورات والانقلابات، وحركات التصحيح، وشرارات الحروب.اضافة اعلان

ربما يحلو للبعض منا أن لا يدين البشر كل الإدانة لعنفهم في هذا الشهر، بل يدين هذا الحرّ الجهنمي الذي يجعلنا نزقين ومنفعلين كقطرات ماء سقطت في الزيت المقلي. الثورة الفرنسية اشتعلت في تموز 1789، والمصرية 1952، والعراقية 1958، الحرب العالمية الأولى1914، وأمريكا فجرّت قنبلتها الذرية (التجريبية)1941، فاتحة باباً لجحيم لا ترحم!.
حين كنا نمدّ فراشنا فوق أسطح البيوت، نفتش عن درب التبانة، كي تعبره أحلامنا الوادعة، ونقبض على الدب الأكبر، وننتظر طلة قمر تموز خجلى. وعلى ذكر القمر، فهذا الشهر أسقط القمر من عيون الناس، فبعد أن كان نبراساً للحب وإلهاماً للشعراء، غدا صحراء قاحلة لا حياة فيه، بعدما دبّت عليه أقدام الإنسان ، فقد هبط عليه في تموز 1969 رجل الفضاء (آرمسترونج). فهل سنتشبث بأسطورة قمر، كنا نشبه به وجه الحبيبة الناعسة؟!. وفي تموز 1099 سقطت القدس، ثم استردها صلاح الدين بعد 88 عاماً من الصلبيين.
الأرض لم تسلم من هذا الشهر، فقد قام البحّار (مجلان) برحلته الشهيرة عام 1519 ليثبت بذلك كروية الأرض، وأنها ليست مركزاً للكون. نعم، نعم، الأرض كروية، وما زالت تتلقى الركلات والويلات.
تموز هو السيد (راع) في المعتقدات البابلية، وعموم بلاد الرافدين، تقدم لخطبة (عشتار) سيدة الخصب والحب، فقبلته وتزوجته، لكنه يقتل غيرة من أسياد آخرين، وتتبعه حبيبته عشتار إلى العالم السفلي لتسترده، وخلال هذه الفترة تظهر على سطح الأرض مظاهر الموت والاصفرار، وهذا ما كان يجعل عباد عشتار وعشاقها يقومون بطقوس العويل والبكاء؛ طيلة الصيف، حتى تعود إليهم بمظاهر الخصب والحياة ذات ربيع؟!.
وكنّا وما زلنا نقول في المثل (فلان أكذب من سحاب تموز)، عندما يبدو الصدق في أمر ما، ولكنه في حقيقته كذاب كسحابة باهتة قد تلوح في صهيد تموز وحره، وهذا ما يجعلني أتلفت سماءً وأرضاً مرة تلو المرة؛ عسى بارقة أمل تُبذر في رمادنا الساخن. فقد شبعنا سحبا هامدة كاذبة.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة