عزام محمد البوريني
ركـبت في ســيارة الجـيــب الـذي كان يقودهــا والدهــا ، والثلــج مــا زال يتسـاقـط ، وكأنــه يتراقـص فرحــا مع فــرح النــاس ، التي خـرجــت في عمــان وغيرهــا من المدن الأردنيــة ، تستــقبــلـه بلهفــــة وفــــــرح , والأيــدي تمــتــد كــي تلتقطــه قبل أن يصل إليهــا .
توقــف والدهـــا عنـد منطقـــة فــي أطـراف عمــان ، حيــث كــان الثلــج متراكمــا والرجال والنســــاء والأطفــال ، يأخــذون فيه الصـور التذكاريـــة ، والبعــض يشـكـل كــرات من الثلــج ، ويتبادلوهــا بالضــرب وهـم ضاحكــيــن فرحيــن ، وجمــوع وعائــلات أخــرى جلســت تشــكل لعبـــا وأشـكــالا جميلــة من الثلــج .
قــال لهــا والدهــا ، ســنتجول يا إبنتي قليــلا ، وســنذهـب الى منطقــة الجنــوب حيــث يقــال أنه لم يصلهــا الثلــج ، قبــل أن نعــود للبيــت ،
لك مـا تريــد يا والدي ، وأنا لســت مسـتعجلـــة للعـــودة الى البيــت ، وأتــرك هــذه المناظــر الخلابــة التي تشـكلــت من ســقوط الثلــج ، ورأيــت النــاس وهــي تخــرج فرحــة ، وتلعــب وتلتقط الصــور فيهـــا .
وأثنــاء ســيره على إحــدى الشـوارع التي خلــت من الثلــوج ، توقـف فجــأة ، وقــد رأى عائلــة ، قــد تكومــت على طــرف الشــارع ,
الســلام عليكــم ، هــل تحتاجــون لأي مسـاعــدة ، وأنتم تجلســون في هــذا المكان والذي يخلو من الثلــج ولكــن البرد فيــه أشــد قســـوة ..
نعــم يا عمــو ، نحــن نريــد أن نذهــب لبيــت كالــذي كــان لنــا في حـلــب , ولا نريــد أن نبقــى هكذا في البــرد والجـــوع..
كان ذاك رد عفــوي وســريــع من فتاة صغيــرة تركــت حضــن أمهـــا ، والتي أجهشــت في البكــاء بعــد أن قالــت تلك الكلمــات ،
وأكملت والدتهــا الحــديث وهي تمســح دموع صغيرتهــا ، وتقــول الله لا يســامحهــم من كانوا الســبب ، كنا في حلــب نسكــن أنا وإبني وإبنتــي هـذه وزوجــي في بيت جميل ويكفي أننا كنا ســعداء فيــه ، الأب والإبــــن يذهبــان طلبـــا للرزق ، ويعـودا في المسـاء ، وتلاقيهــم علـى البــاب كــي تعانــق والدهــا الذي يحملهــا ، ويأخــذ في مداعبتهــــا بعــد أن يعطيهــــا الكيــس الذي اعتــــاد ان يحملــه لهــا كـل يــــــوم ، فيــه بعض الحلـــوى وأشـــيـــاء أخــــــرى تحبهـــــــــا،
ولكــن الذي كان يدعـي أنـه راعـينــــا وحامينــا وأبــا السـورييــــن وأخــاهــم ، قصف الحــارة التي كنا نسـكـــن فيها بالطائــرات والدبابـــات بوحشــيــة وهمجيـــــة , ولم يراعــي صــراخ الأطفــال والنســــاء ، ولا اســتغاثات من حاصـرتهــم النيــران والجــدران المهــدمــة ، ودمــر كثير من البيوت وقتــل وهــرب الكثيــر من ســاكنيهــا ، ونحن كنا من أوائــل من هــرب بعد أن أصــيب بيتنــا في قذيفــة دمــرت معظــمه ،
خرجنــا مع من خــرج ودخلنــا الأراضــي الأردنـيــة ، ونحــن لا نصــدق أنــنا ســالميــن وأصبحنــا في أمــان ، وقــد استقبـلــنا جنــود من الجيش الأردنــي استـقبالا اخويــا ، حــتــى وصــلنا مخيــمـا في وســط الصحــراء ، يســمى الزعتــري ،إســتقبلنــا فيــه مجموعــة من الرجــال الذيــن أخــذونا وتركونــا في خيمــة أعــدت لنـــا على عجــل ....
وقبــل أن تكمـل , سـألهــا ولماذا تركتــم المخيــم في هذا الوقــت وكما ترون البــرد قــارس ، ومعظــم الأردن تتساقــط عليه الثلــوج أو الأمطــار الغزيــرة ولــن يكــون حالكــم أفضــل مما كــان ،
قالــت لــو رأيــت الحــال الـذي كنا فيــه في المخيــم لما انتظــرت الإجابــة ، بل ســتخرج كما خرجنــا ، الميــاه تدفقــت على الغرفة التي كنا نسكنها ، ولم يبقى شـيء لم تغرقه المياه ، والبرد كان أقسى من هنــا بســبب ملابسـنا التي تبـللــت ، ولم نجــد غيرهــا جافــة كي نسـتبدلهــا ، ولم نعــد نفكــر الا في الخــروج ، والبنت لم تتوقف عن البكــاء وجسـدها يرتعــش ، وازرق وجههــا ، وخوفا ان نفقدهــا كما فقدنا أخــاها في حلــب ، الـذي استـشـهد من قناص أطلق عليــه الرصــاص وهــو يحــاول أن يؤمــن لنــا طريقــا للخــروج منــه ، بعــد أن دمــر بيتنــــا .
نظــر إلــى إبنتــه التي وجهــدها تبكي والدموع تمــلأ خــديهــا ، وتشــده من ملابســه ، وتقــول له لا تتركهــم يا أبــي لوحـدهــم هنــا ، خــذهــم معنــا الى البيـــــت ،
هكــذا هــو حالنــا نحــن العــرب ، إن لم نقتــل من عــدونــا ، ونشــرد من ديارنــا ، نجــد من يقــتلــنــا ويهجـرنــا ممــن ادعــوا أنهــــم أهلنـــــا وحماتنـــــا ، والآن تعالــــوا واركبــوا معنــا الســيــارة ، وســنؤمن لكـــم مسـكنا يؤويكــم إن شــاء الله ، وســنضيفكــم في بيتـنــا الى أن يتوفــر لكــم ذلــــــــــــــــــــــــــــــــك .
عزام محمد البوريني
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو