السبت 2024-12-14 09:46 ص
 

عن الحب والقضاء

08:38 ص

أمس كنت في قصر العدل , فنحن منذ (عشرين) عاما ما مر شهر علينا دون زيارة قاضي المطبوعات ولأن القضاء هيبة والهيبة تفرض وقارا وحضورا إلا أن بعض الاشياء التي تحدث تجعل القضاة أحيانا يخرجون عن طورهم ...اضافة اعلان

أمام قاضي المطبوعات أمس (نصار الحلالمه) واثناء إنشغاله في القضايا المنظورة ,جلسنا جميعنا بإنتظار الدور ... كان هناك شاب يقف على الباب والقاضي كان يقوم بذكر أرقام القضايا واسماء المحامين أمام هذا الشاب وهو بدوره يقوم بالصراخ في الممرات :- مناديا على اصحاب القضايا ...
كان الشاب يؤدي عمله بمهارة وإتقان ,وصوته كان يوحي بأنه ضليع في المحاكم ويحفظ أرقام القضايا ويعرف اسماء المحامين الكبار , والمهم أنه كان يركز على كلمة (أستاذ) ...وصوته كان يملأ الممرات ...
والغريب أني سألته عن قضيتي فقال لي :- (اتوكل ع الله واستنى) ...
مضى من الوقت ساعات والقاضي كلما أنهى قضية وفتح ملف أخرى , قام بذكر رقم القضية واسم محامي الدفاع , والشاب بكل حيوية ونشاط كان ينادي ..في الممرات , والأهم أنه كان يرتدي (كاجوال) ويضع (جل) ..ومنظره يوحي أنه يعمل (حلاقا) بعد الدوام , نظرا لكون (السكسوكه ع المسطرة) ...
وصلنا للقضية الأخيرة وكانت قضيتي وتحمل الرقم :- (2060) , ولحظة قيامي للمثول أمام القاضي تقدم الشاب الذي يؤدي دور المراسل وقال للقاضي :- (بتسمحلي سيدي...أنا مطلوب هون شاهد أول مره بحياتي أجي ع المحكمة ومو عارف ايش أسوي) ..
نظر إليه القاضي ثم سأله :- يعني أنت مش مراسل هون ...فأجاب :- لأ سيدي ..
لحظتها ضحك القاضي ونحن ضحكنا , وأنا في موقف مثل هذا أول شيء أتوقعه أن يقول القاضي له :- (موقوف..) لكن الذي حدث هو أن القاضي قام بشكره وطلب منه الإنتظار ...
ساعات وهو يؤدي الوظيفة بإتقان وفي النهاية تبين أنه شاهد في قضية وليس مراسلا يعمل ضمن طاقم القاضي . في لحظات الجدية والوقار العالية , تحدث مفارقات ..تجعل الموقف الجاد يتحول إلى فكاهة مستحبة . هذا الشاب جاء إلى القضاء , شاهدا ..لكنه أدى دور مراسل في المحكمة ونجح في الدور ...
في الحياة وحين أتذكر ما مضى من العمر أكتشف أني لا أختلف عن هذا الشاب بشيء ..جئت للدنيا شاهدا على حب البلد وأهلها ...شاهدا على وطن عشقته بكل ما في الدنيا من تعب الغرام ...وفي لحظة تبين لي أني الوحيد الذي وقف على بابه وينادي على العشاق ...ومعظمهم غابوا ...
في القضاء يوجد مراسل على باب القاضي , وفي الغرام يوجد أيضا مراسل على باب الوطن ..وأنا ياصديقي مثلك تماما ...لكن الإختلاف أن للقاضي قلبا يسامح به وأنا ما زلت أنتظر السماح ...


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة