الإثنين 2024-12-16 05:23 ص
 

فوز مرسي بالرئاسة يسقط الخيار الامني في التعاطي مع الاسلاميين بالاردن

01:26 ص

الوكيل - وقف المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن الشيخ همام سعيد عند الزاوية الفسيحة التي وفرت له حرية بالحركة لم تكن متاحة داخل بلاده عندما راقب باهتمام الانتشار الواسع إعلاميا للصورة التي تظهره إلى جانب الرئيس المصري الجديد محمد مرسي وفي جلسة رئاسية حميمة.اضافة اعلان


الشيخ سعيد الذي تربطه علاقات سيئة جدا بالمؤسسة الأمنية الأردنية جلس إلى جانب مرسي في الصورة الشهيرة كزعيم عربي بامتياز بعد أن بقي لأكثر من عامين مراقبا عاما للنسخة الأردنية من الإخوان المسلمين معزولا ويخضع للضغط الشديد في بلاده.

هذه الصورة والعبارة التي يرددها الأردنيون بكثافة على صفحات فيسبوك هذه الأيام بعنوان

'بركاتك يا سي مرسي' تكرسان القناعة بأن الأوضاع السياسية في الأردن دخلت فورا في أجندة جديدة ليس سرا أنها خارج سياق الخيار الأمني البيروقراطي الذي شكل كما يقول المحلل السياسي خالد رمضان استراتيجية العمل الوحيدة طوال عام ونصف من الحراك الشعبي.

الأردنيون شعبيا دخلوا في حالة شغف وهوس بمتابعة أخبار الرئيس المصري الجديد خصوصا وهو يستعد لاستقبال مئة قيادي من إخوان الأردن مهنئين باسم شعبهم، وأخبار مرسي تحتل الصدارة في كل عناوين وسائل الإعلام المحلية، فها هو مرسي يصلي الفجر حاضرا أو يتوضأ، ويصارع المجلس العسكري، أو يداعب الضباط الذين سجنوه سابقا ً.. إلى آخره من الأخبار التي طالت أيضا تصريحات وتعليقات سيدة مصر الأولى الجديدة وزوجة مرسي التي ترفض الإقامة في القصر الجمهوري.

هذه الأخبار يتابعها الجمهور الأردني بشغف غير مسبوق، لكن في مستوى أعمق من القرار السياسي تغيرت فجأة البوصلة والإجتهادات، وحصلت تحولات دراماتيكية في مواقف النظام الأردني المألوفة والمعهودة من بعض القضايا الإستراتيجية والحساسة، الأمر الذي يثبت فعلا بأن اتجاهات ما قبل فوز مرسي وظهور بصماته وبركاته التي اجتاحت الجسد الأردني المجاور كانت مبرمجة كما يرى عضو لجنة الحوار الوطني مبارك أبو يامين على أساس فوز المرشح أحمد شفيق.

أردنيا يعترف الجميع وخصوصا في أضيق قنوات القرار بأن إعلان مرسي رئيسا للشقيقة الكبرى كان مباغتا وخاطفا ً كما يقدر عضو البرلمان البارز خليل عطية، ويعترف الجميع بأن عمان لا تملك معلومات منتجة ومفيدة حول أسرار اللحظات الأخيرة التي قفزت بمرسي إلى كرسي الرئاسة وأطاحت بالفلول وبشفيق وأطاحت معهما بالتصور الكلاسيكي القديم للعلاقة بين المملكة الأردنية ومصر حسني مبارك، فقد كانت دوما علاقة تبعية وامتثال وفيها من المناكفة الكثير كما يشهد النشط السياسي محمد خلف الحديد وهو يتوقع انقلابا يقود إلى الإطاحة بأدبيات التشدد الرسمي والأمني في بلاده لأن عمان كما يبلغ 'القدس العربي' مضطرة الآن للتعامل مع حالة فريدة قوامها لأول مرة التفاعل مع حاكم باسم الشعب في دولة أساسية ومركزية وجارة لا يمكن تجاهلها.

هنا حصريا يتفق الحديد مع القائلين بأن بصمات رئاسة مرسي بدلت في الخيارات الاستراتيجية الأردنية، وغيرت في ملامح السياسة والأهم أنها أجبرت وخلال ساعات فقط مؤسسة النظام الرسمي على اسقاط ما يسمى بـ 'الخيار الأمني' في التعامل مع الحركة الإسلامية وحراك الشارع والإصلاح السياسي وحتى حركة حماس أيضا ومسألة تمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني في البرلمان.

تأثيرات ذلك بدت خاطفة وسريعة في الأردن خلال الساعات القليلة الماضية، فقد رشحت لـ'القدس العربي' معلومات تفيد بأن العاهل الأردني وعندما اجتمع بأركان السلطات التنفيذية والتشريعية طاهر المصري وعبد الكريم الدغمي وفايز الطراونة ألمح لعدم رضاه عن مستوى حصص المقاعد البرلمانية التي يخصصها القانون الانتخابي للأردنيين من أصل فلسطيني وأشار إلى دعم القصر لخيار زيادة عدد مقاعد القائمة الوطنية حتى يتسنى لأردنيين من أصل فلسطيني أكثر الوصول للبرلمان والمشاركة في الانتخابات.

قبل ذلك توارى الخيار الأمني في إدارة اللعبة السياسية عدة مرات لأن عمان استقبلت الزعيم السياسي لحركة حماس خالد مشعل أمس الخميس بشروط مختلفة للزيارة فرضتها هذه المرة ما يسميها إعلاميون محليون بحمى مرسي التي اجتاحت الخيارات الأمنية البحتة في لعبة الإدارة والسياسة وبشكل انعكس على القرار الاستراتيجي.

وقد برزت فوارق سريعة بين زيارة مشعل لعمان قبل أسابيع فقط وبين زيارته أمس الخميس على حد تعبير موسى العبد اللات المحامي والنشط السياسي المقرب جدا من حركة حماس، فمشعل زار عمان أمس واستقبل في القصر الملكي كالزعماء ونظم له غداء رسمي حضره هذه المرة رئيس الوزراء فايز الطراونة، والأهم أن القناة الأمنية تحلحلت وفتحت أمام مشعل ورفاقه، وأن كل هذه الترتيبات تمت بدون وساطة عربية أو قطرية بل باتصالات مباشرة قد تكون الأولى من نوعها بين حماس والقصر الملكي الأردني كما لاحظ العبد اللات.

ويذكر بأن زيارة مشعل السابقة اختلفت بكل المقاييس بعدما فرضت على تفاصيلها المؤسسة الأمنية بصماتها فقد استقبل مشعل آنذاك كتابع ومرافق لولي عهد قطر الشيخ تميم، ولم يحظ بمائدة اجتماعات ثنائية ولا باتصالات أمنية، فيما غاب عن لقائه الأول رئيس الوزراء المتحمس آنذاك لحماس عون الخصاونة.

ويعيد العبد اللات مباشرة هذا التغيير في اللهجة الأردنية تجاه حماس إلى حمى عقدة مرسي، فما حصل مع مشعل أمس من كرم ضيافة وحسن استقبال وامتيازات خاصة قد تنتهي بفتح مكاتب إعلامية للحركة وإسقاط الفيتو الأمني الذي حال سابقا لسنوات طويلة دون ذلك.. ما حصل نتيجة بسيطة لفوز مرسي بانتخابات الرئاسة المصرية ونتيجة للقناعة بأن حركة حماس ينتظرها في المستقبل القريب دور اقليمي كبير وأساسي لا يمكن تجاهله.

واستنادا إلى المعلومات التي كشفها المحامي العبد اللات لـ'القدس العربي' فقد حصل مشعل فيما يبدو على إذن بإقامة مراسم تشييع الشهيد كمال غناجة الذي اغتيل أمس الأول في دمشق في عمان حيث سيتم دفنه في العاصمة الأردنية بعد صلاة ظهر الجمعة، الأمر الذي يعني مباشرة تظاهرة شعبية خارجة عن المألوف لصالح حركة حماس على هامش الجنازة لم يسبق لها أن ظهرت في شوارع عمان، وهو أيضا تطور لا يمكن إغفاله يسقط الفيتو الأمني الأردني على حركة حماس ويدفعها بالتالي بقوة للعودة سياسيا وشعبيا إلى الأردن.

تلك بكل الأحوال بركات حمى مرسي ـ يقول أبو يامين- لكن التحول الآخر المهم يمكن استنطاقه من قرار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الصادر أمس الخميس بعد اجتماع أركان سلطة التشريع والتنفيذ والمتضمن تكليف البرلمان والحكومة بإجراء تعديلات على قانون الانتخاب الذي رفضه التيار الإسلامي في دورة استثنائية صيفية للبرلمان ستعقد في الثامن من الشهر المقبل.

والتوجيه الملكي هنا حصر التعديلات المطلوبة بزيادة القائمة الوطنية في النظام الانتخابي وهي حصريا النقطة التي يركز عليها الإخوان المسلمون أكثر من غيرها لكن هذا التطور الملكي اللافت يعكس الانطباع مجددا بإعطاب الخيار الأمني ووقف نمو قانون الصوت الواحد لصالح صفقة محتملة للتفاهم مع الإسلاميين.

ولم يقتصر الأمر بطبيعة الحال على المعطيات سالفة الذكر فقد قرر مجلس الوزراء أيضا نزع صلاحية سحب الجنسيات والأرقام الوطنية من اللجان الأمنية والبيروقراطية الصغيرة في وزارة الداخلية ومنع المجلس دائرة اسمها المتابعة والتفتيش من التعامل مع ملفات المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني باستثناء حملة البطاقات الخضراء حاصرا صلاحية سحب الجنسية بمجلس الوزراء فقط.

هنا أيضا تسقط الاعتبارات الأمنية وتسحب الحكومة هذه الصلاحية المثيرة للجدل من موظفين صغار يأتمرون بأمر المستوى الأمني وليس السياسي في ظاهرة صمدت عشرات السنين ويفترض أنها لم تعد موجودة الآن أيضا في إطار تداعيات المستجد المصري.

ويبقى أن الخيارات والأجندات الضيقة الأمنية والبيروقراطية التي كانت تعزز الانقسام في المجتمع بين الأردنيين في طريقها هي الأخرى الى الانحسار مع موجات صعود الإخوان المسلمين وحركة حماس وجلوسهما على الطاولة، والدليل الأفصح على ذلك استخدام الملك مساء الأربعاء لعبارة (أردنيون من شتى الأصول والمنابت) في بطن رسالته الشخصية التي أرسلها لنجله الأكبر وولي عهده الأمير الحسين بن عبد الله بمناسبة عيد ميلاده الثامن عشر مكرسا مؤسسة ولاية العهد تفعيلا لتصوره عن الأردن الجديد الموحد بعدما أعطبت حمى الرئيس المصري الجديد مفاصل النشاط والحيوية في الخيارات الأمنية والكلاسيكية للنظام والدولة.

القدس العربي


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة