الجمعة 2024-12-13 10:47 ص
 

قارئة الفنجان

09:36 ص

(عماد) شاب في الخامسة والعشرين من عمره، متزوج وله ولدان، يعمل في أحد الشركات، ويحصل على راتب محترم، يسكن في بيت ورثه عن أبيه، وتسكن خالته معه لأنها ليس لها أحد في الدنيا سواه.اضافة اعلان

جلس (عماد) بجانب خالته المسنة التي اعتاد أن يشرب معها القهوة كلّ يوم، ثمّ تقرأ له الفنجان قبل ذهابه إلى عمله، فإذا هي تقول له: يا رب استر يا رب.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ارتعد (عماد) خوفا من كلمات خالته وقال: خيرًا إنْ شاء الله يا خالتي، فقالت: ليس خيرًا يا ابن أختي... يا (عماد) يقول الفنجان: إن خط الحياة عندك سينقطع بعد سبعة أيام، يعني: أنه لم يبق من عمرك إلا القليل، وأنك ستموت خلال أسبوع.
- عماد: أنا... أموت... أسبوع، ما هذا الكلام؟
- الخالة: هذا فنجانك، وقراءتي لا تخطئ أبدا.
- عماد: لكن يا خالة، لا يعلم الغيب إلا الله.
- الخالة: صحيح، لكنّ الله يفتح على عباده بما يشاء. ألا تذكر أنني بشرتكَ من خلال الفنجان بأنك ستحصل على وظيفة، وحصلت عليها في أقل من ثلاثة أيام؟
- عماد: نعم أذكر .
- الخالة: ألا تذكر أنني بشّرَتك أن زوجتك ستلد لك ذكرين، وقد حصل.
- بخوف يقول عماد: نعم صحيح... إلى أين تريدين الوصول يا خالتي؟
- الخالة: توقعاتي لا تخطئ يا ابن أختي، وأنا خائفة عليك وعلى أسرتك أن تتدمر لوفاتك.
- أسبوع يعني 168 ساعة فقط. لا بأس سأتدبر أمري فيها، سأعطي نفسي وقتا قصيرا للتفكير، فليس لدي إلا ساعات معدودات، وينتهي كل شيء.
جلس (عماد) على كرسيّه يتفكر في سؤال واحد فقط: ماذا أفعل خلال الأسبوع القادم، الذي سيكون الأسبوع الأخير في حياتي؟ وغرق في التفكير العميق حتى جاءته الفكرة الأولى، وحدّث نفسه بها قائلا: أنا شاب صغير لم أر شيئا من ملذات الدنيا وزهرتها، حيث النساء، والأموال، والسهرات، والملذات بشتى أصنافها، سآخذ ما ادّخرته من عملي وأسهر كلّ يوم في المراقص والملاهي الليلية، لأتمتع بشبابي وأشبع غرائزي التي ستُحرم من اللذة إلى الأبد، ولن تراها مرة أخرى. سأجرب الحشيش، والمسكرات، وكل أنواع النساء، وألعب القمار، ولن أنام قبل الفجر.
قاطع صوت القرآن تفكيره، لتقفز إليه الفكرة الثانية، فيحدث بها نفسه قائلا: سأحافظ على الصلوات الخمس في المسجد، بل سأنوي الاعتكاف في المسجد مدة الأسبوع حتى أموت في بيت الله، وسأتصدق بكل مالي على الفقراء والمحتاجين، وأجعل شقتي وقفا في سبيل الله، وسأحافظ كل يوم على قيام الليل وصوم النهار.
انتبه (عماد) إلى ولده الصغير وهو يلعب تحت قدميه، فهجمت عليه الفكرة الثالثة، فقال لنفسه: زوجتي المسكينة، وأولادي البؤساء، ماذا سيحلّ بهم بعد وفاتي، ومن سينفق عليهم؟ لا بدّ أن أعمل خلال هذا الأسبوع ليل نهار من أجل أن أدّخر لهم أكبر قدر ممكن من المال، كي أخفف قدر الإمكان من شقائهم بعدي، ومعاناتهم من معارك الحياة.
وفجأة انتقل إلى فكرة رابعة تسللت إلى خاطره: لمَ لا أفني أيامي الباقية في الأعمال التطوعية كي تذكرني الناس ولا أغيب عنهم؛ ليحفظ اسمي في سجلّ الخالدين؟ سأخدم الناس بتفانٍ فيكتب لي الخلود في حياتهم بعد موتي، ولربما سجلوا أحد الشوارع باسمي، وبهذا لن أكون محلا للنسيان.
استيقظ (عماد) من غفوته ليعلم أنه كان في كابوس مزعج، وأن كل ما مرّ به أضغاث أحلام.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة