الإثنين 2024-12-16 05:09 ص
 

مناطق آمنة .. الثمن المر لسنوات التأخير

07:31 ص

بكل بساطة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنه سيأمر 'بإنشاء مناطق آمنة في سورية للأشخاص الفارين من العنف'، وأنه أوصى وزارتي الخارجية والدفاع بوضع الخطة في غضون 90 يوما من تاريخ الأمر التنفيذي. طبعا، لا أحد سيجرؤ عندنا على تأييد ما تريده أميركا، فما بالك ما يريده الآن ترامب، أو 'يأمر' به بطريقته الفجّة والفوقية!

اضافة اعلان


ليس لهذا السبب سأقف ضد الفكرة من حيث المبدأ؛ فقد انحزت ودعوت لها من زمن؛ منذ بدأت سورية تدخل أتون الحرب الوحشية بين النظام والمعارضة، خصوصا بعد سيطرة القوى المتطرفة ومليشياتها، ثم ظهور 'داعش' التنظيم الأكثر تطرفا ووحشية على الإطلاق. ويمكن العودة إلى مداخلتي في أول جلسة مناقشة عقدها مجلس النواب السادس عشر حول الأزمة السورية واللاجئين الذين كنا نستقبلهم بالآلاف يوميا، إذ كان رأيي أن البديل العملي الوحيد هو إنشاء مخيمات لهم داخل الحدود السورية تحظى بحماية دولية. لكن الحكومة لم تؤيد ولم تعارض، بل صمتت ولسان حالها أن الأردن ليس جهة مقررة، وينتظر الموقف الدولي من الموضوع. والموقف الدولي كان يتأرجح ويتردد، ثم حسم باراك أوباما الرأي بأن الفكرة صعبة التطبيق. وكان الثمن المر حرمان الشعب السوري من كل حماية طوال السنوات الماضية، وهجرة الملايين إلى الخارج حيث يعيشون في مخيمات اللجوء أو خارجها. وفي تقديري أن الأطراف الدولية لم تجد مصلحة سياسية خاصة في المناطق الآمنة التي تلقي عليها مسؤولية وكلفة باهظة؛ مالية وعسكرية، وبالنسبة لأوباما التورط في ما يتعارض مع سياسة النأي عن أي تدخل ميداني.


القوى المتقاتلة في الميدان كانت جميعا ضد المناطق الآمنة. فالنظام السوري لا يريد تشريع وجود مناطق خارج سيطرته، والمليشيات المسلحة ليست لها مصلحة إلا في تحول المناطق التي تخرج عن سيطرة النظام إلى سيطرتها؛ فمناطق آمنة للمواطنين تحت حماية دولية تعطي الصوت والسلطة للمواطنين أنفسهم الذين يريدون بالتأكيد السلم والحرية وسلطة القانون في سورية موحدة، أي برنامج القوى الوطنية الديمقراطية التي لا تملك مليشيات ولا ترفع سيفا فوق رؤوس المواطنين.


معلوم أن الحل السياسي والسلم وإنقاذ الشعب السوري من حمام الدم المرعب، ليست ممكنة إلا بتدخل دولي ميداني؛ ليس لمصلحة أي من الأطراف المسلحة المتقاتلة، بل لمصلحة الشعب والدولة السورية. والصيغة الأكثر فعالية هي وجود مناطق آمنة تشكل ملاذا للاجئين من مناطق القتال، يبقيهم في وطنهم ويبقي دورهم وثقلهم من أجل حل سياسي ديمقراطي. والمناطق الآمنة هي أكثر الأدوات فعالية للحيلولة دون تقسيم سورية. وتوفير هذه المناطق، بهذا المفهوم، يعتمد على توافر النية الحسنة والإرادة لدى الأطراف الدولية. هذه النية الحسنة والإرادة لم تتوافرا، وما كان متوافرا هو العكس من أطراف في مقدمتها إسرائيل، أما القوى الإقليمية فكانت منخرطة في دعم هذا الطرف أو ذاك وفق أجندتها الخاصة. وحده الأردن كان يقف بنزاهة مع وحدة سورية وشعبها والحل السياسي السلمي الديمقراطي. والآن، هو يمكن أن يدخل على خط المناطق الآمنة لبلورة فكرتها بأفضل صورة، وتأمينها ضد أي خطوات خاطئة أو خرقاء قد يضعها فريق ترامب الجديد. وأول مكان يمكن تطبيقها فيه هو مخيم الركبان مثلا، الموجود داخل الحدود السورية مع الأردن بعدد يزيد على 80 ألف شخص من الكبار والنساء والأطفال، يعيشون في ظروف مرعبة، ومتروكون لمليشيات تتقاتل على المعونات التي تقدمها الأمم المتحدة من على الجانب الأردني للحدود.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة