الإثنين 2024-12-16 12:29 ص
 

‘نادجا’: القصيدة التي لم يستطع بريتون ان يكتبها!

10:58 ص

الوكيل - ليست قصة ‘نادجا’ الصادرة عن دار الجمل لأندريه بريتون ترجمة الشاعر المتميز مبارك وساط مُجرَّد قصة عشق بين شاعر وامرأة بل ربما هي ليست قصة أصلا بالمفهوم التقليدي لكتابة القصص ، لم يكن هاجس بريتون وهو أب السريالية والشاعر المتمرد على جميع أساليب الكتابة السرد القصصي والتفنن فيه، وهو الذي كان يبحث عن أشكال جديدة ومبتكرة في الكتابة بما جعله يكون قاسيا مع نفسه في التعامل مع الكلمة بل وقاسيا مع الكلمة أيض انه يبحث عن أسلوب ويشقى من اجل ذلك ويجعل الآخرون يشقون معه كنبي بلا قرآن . لم تكن نادجا أول امرأة يبدي بريتون إعجابه بها فلقد أعجب بالكثير من النساء قبلها وبعدها، نعم بعدها وهي مهملة في إحدى ا لمصحات العقلية.اضافة اعلان

كان بريتون يعيش قصة عشق مع مدام ميراز لقد اعترف بريتون في أحدى رسائله لزوجته : ‘لم أحبها قط ، لقد كانت قادرة على فعل كل ما أحبه وبطريقة رائعة’، ولكنه يعترف أنها كانت أقوى منه، فهي التي وهبته الرؤيا ولم يستطع الفكاك منها وهي التي صححت له سبيله السريالي في نظرته للشعر والفن عموما ؛ كان هاجس بيرتون الحقيقي هو كيفية جعل السريالية تتواصل وكانت نادجا ملهمة السريالية في قصة نادجا التي أعاد بريتون مراجعتها بعد34 سنة من كتابتها ليهيئها للنشر لا تظهر شخصية نادجا إلا في الصفحة 68 .
الكتاب يحتوي على 180صفحة وفي الصفحات الأولى يروي برتون تسكعاته بين المسارح بل ويستطرد في عرض موضع إحدى المسرحيات ‘ المختلتان ‘ كما يتحدث بإسهاب عن تسكعاته مع أراغون والإشارة للاختلافات الإيديولوجية بينهما بل لن يتأخر بريتون أن يبدي رأيه في مصير الرواية كفن أدبي ويعتبرها لن تصمد طويلا الرواية وستغيب ، لقد بدا أب السريالية في ورطة وهو يكتب بدايات نادجا كمن يبحث عن هواء جديد يتنفسه ويضخ به رئتيه وهاهو فجأة يقع على فتاة فقيرة مسكينة تتسكع في شوارع باريس ‘كانت ترتدي ثيابا رخيصة وتمشي مرفوعة الرأس ل ‘. و منذ حديثه الأول معه يقع بريتون على رأسه فيها؛يخوض معها أعمق الحوارات بل ؛يدعها تاخذه إلى الأبعد وهي تتحدث عن كل شيء وعن لاشيء ، لقد أدرك بريتون البئر التي سيرتوي منها وعثر على طوق النجاة ‘ نادجا ، ناتاشا أول اسمها يعني بالروسية الأمل ‘ولكن اسمها الحقيقي ليونا كامي غيسلان ديلْكلور. بعد قصة حب فاشلة قررت نادجا الاستقرار بباريس وعاشت وحيدة تمارس بعض المهن الوضيعة والمهينة بل وقعت ضحية أحدى عصابات المخدرات ولولا تدخل احد الأعيان لكانت في السجن وخلال هذا كله لم تتوقف عن مراسلة أمها تطمئنها عليها وتعلمها أنها بأفضل حال إلى ان التقت صدفة بريتون الذي هو نفسه كان تائها لكن يعرف ان ثمة شيء ما سيحدث يقول :
‘أذهب دائما تقريبا دون هدف محدد ، دون شيء مؤكد ، سوى ذلك اليقين المبهم بنهة هناك سيحدث ذلك’.
في اليوم الثاني تواعدا وشربا قهوة معا وفي اليوم الثالث بدأ يقترب منها اكثر و اعلمته انها لاتريده ان يمارس عليها سحره ولكنها فينفس الوقت كانت تأسره وكان بريتون يعرف انه بصدد الوقوع في عشق هذي المرأة الغامضة التي كانت مختلفة أشد الاختلاف عن نساء ذلك الوقت في باريس هؤلاء النسوة اللواتي كن يرتدن المسارح وقاعات عروض السينما وأروقة الفن التشكيلي ويستعرضن آخر موديلات الملابس الجاهزة دون ان تكون لهن علاقة بالفن الحقيقي كانت نادجا مختلفة تماما في لبسها ، في طريقة كلامها ، في صمتها ، في حزنها ..كانت القصيدة التي أراد ان يكتبها بريتون ووجدها أمامه تتحرك ولذلك غاب عما حوله فيها وأصبحت كعبته يقول :
اعتبرت نادجا روحا حرة مثيلة إحدى جنيات الفضاء اللاتي تمكن بعض الممارسات السحرية من استلحاقهن وقتيا لكن يستحيل اخضاعهن لقد كانت نادجا صاحبة رؤيا كونية في النظرة للحياة ساحرة غريبة تقول :
‘أنا الفكرة على ماء الحمام في حجرة بلا مرايا’. كانت شاعرة كاريزمية هي تلك الأنثى التي لا تشبه الحبر .. بل تشبه الورق .. على طياتها تكتب الحياة .. لقد امتصت كل القوى في داخل بريتون كسرت بوصلته وجعلته تابعا لها لقد أفقدته عقله وكان يعرف ذلك بل وازداد شغفا بها منذ اطلعته على رسومها الغرائبية وطريقة الإفصاح عن رؤاها بالخطوط والبياضات ، رسوماتها ليست دقيقة وليست واضحة وليست مكتملة دائما إنها مشرعة على كل ما هو مبهم وكلما هو غامض ؛شأنها شأن الحياة في تقلباتها وتغيراتها كانت نادجا رغم بؤسها التجلي الأجمل للحياة وكانت انتصار الحياة ا لبسيطة في تعاستها وقذارتها أيضا وهذا واحد من الاسرار الذي جعل بريتون يتعلق بها ولكنه لم تكن له القدرة لاحتماله طويلا لذلك لم يسع من اجل إخراجها من المصح أو حتى يخرجها بل أسهب في تبرير بعض تصرفات المشرفين على المصحات العقلية .
ربما لهذا السبب ذهب البعض لاعتبار نادجا مجرد اختراع سريالي ابتكره بريتون وحوله الى اسطورة لا تخضع للواقع ولكنها حقيقة إذ أن هناك عدة مراسلات بين بريتون وزوجته حول المرأة، ناهيك ان هناك من كتب عن هذه المرأة بعد بريتون ،ويبقى السؤال لماذا ألقى بريتون نفسه في أحضان مدام ميراز مباشرة بعد إيداع ‘نادجا ‘ في المصح العقلي ؟


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة