الأحد 2024-12-15 11:33 م
 

2015 أم 2011؟!

08:54 ص

ثمة أرقام مهمة ومتعددة في 'المؤشر العربي لعام 2015'، وهو استطلاع الرأي الواسع الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، وشمل 12 دولة، وقرابة 18311 مستجيبا، حول الموقف من تنظيم 'داعش' ونظام بشار الأسد وإسرائيل والديمقراطية والتحديات الاقتصادية، والثورات الشعبية العربية خصوصاً.اضافة اعلان

من بين الأرقام المطروحة، من الضروري أن نقف عند موقف الرأي العام العربي من الثورات الشعبية التي بدأت في العام 2011، وانتقلت عدواها بين الدول، وأُطلق عليها 'الربيع الديمقراطي العربي'. إذ من الواضح أنّ هناك ردّة شعبية وتشويها كبيرا حدث في صورة الثورات التي قامت، والأهداف التي سعت إليها!
أفاد 34 % فقط من المجيبين بأنّ الثورات الشعبية كانت أمراً إيجابياً، بينما رأى 59 % بأنّها كانت سلبية؛ بمعنى أنّ الأغلبية الشعبية اليوم انقلبت على لحظة 'الربيع العربي'. وقد علّلت ذلك بالخسائر البشرية الكبيرة، وحالة الاستقطاب السياسي الحادّ، وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
أي إنّ الجهود المبذولة من أقطاب 'الثورة المضادة' وسدنتها في العالم العربي، نجحت في تلطيخ صورة 'الربيع العربي' وقيمه، وتعليبها بمشهد الفوضى والدماء والرعب وغياب الاستقرار. لذلك، ليس غريباً أن تنقلب أولويات المواطن العربي في المؤشر نفسه، فيصبح موضوع غياب الأمن والأمان هو الهاجس الرئيس له، منذ العام الماضي وصولاً إلى العام الحالي، بعدما كان موضوع البطالة يتصدر هذه الهواجس خلال الأعوام السابقة، وفق أرقام المؤشر ذاته!
هل تبخّرت لحظة الحلم الديمقراطي والانتقال إلى أنظمة تعددية عربية لدى الرأي العام؟! وهل احتلت الدماء والفوضى في المشهد السوري واليمني والليبي والعراقي، وسلطة الخوف في المشهد المصري، زوايا الرؤية كاملة لدى المواطن الذي أصبح يرى أنّ البديل عن الدكتاتورية والسلطوية، حتى بأبشع أنواعهما، كما هي حال الأسد والقذافي، لن يكون سوى وضع أسوأ بكثير؛ فإمّا الاستبداد أو الفوضى وفقدان كل شيء؟!
لا يمكن إنكار هذه النتيجة. وعلى الذين ما يزالون يتمسكون بالمطالب الديمقراطية ويرفعون سقف التوقعات، وينتظرون ثورات وهبّات الشعوب، أن يعيدوا قراءة نتائج هذا الاستطلاع، من زاوية نظر الإنسان العربي الذي وقف إلى جانب الثورات الديمقراطية، لما وصلت الأمور إلى مرحلة لا تطاق قبل أعوام؛ من استبداد وفساد وغلاء وانعدام فرص العمل، وتغول المنظور الأمني وفقدان العدالة، فعلّق آماله على الثورات. لكنّه لم يكن يتوقع أن تزداد الأمور سوءاً، ولم يكن مؤهلاً للتجربة المريرة التي مرّت بها المجتمعات، ولم يخبره أحد أنّ الديمقراطية هي عملية مستمرة، لها أبعاد ثقافية وشروط مجتمعية وإدارية، وأنّ نجاح الثورات لا يعني أنّنا أصبحنا أنظمة ديمقراطية ناجزة، بل يعني أنّنا دخلنا في 'البرزخ' الانتقالي (بين حياتين)، وهو مرحلة طبيعية ومنطقية مرّت، وتمرّ بها الثورات التاريخية!
الثورة المضادة نجحت، فعلاً، في تحقيق أهدافها، مرحلياً؛ والدلالة في نتائج هذا المؤشر. إذ بالرغم من أنّ الشعوب العربية تتمسّك بأنّ أفضل نظام هو الديمقراطي التعددي (نسبة 79 %)، وترى أنّ الأوضاع السياسية سلبية (أكثر من 50 %)، وتشكو من كثير من الظروف الصعبة؛ إلاّ أنّها بالنتيجة أصبحت تخشى من الثورات الشعبية ونتائجها، لما تراه أمام عينيها، فالشعوب لا تريد أن تخسر 'رأس المال' وهي تبحث عن الربح!
إذن، عملياً الرأي العام العربي قيّم الثورة المضادة ونتائجها، لا 'الربيع العربي' ونتائجه. وهو ما ينبغي أن نحلله ونقرأه جيداً، ونعيد صوغ السؤال: ما الذي حدث خطأ، بخاصة من النخب السياسية والمثقفة التي خانت تلك اللحظة، وغلّبت هواجسها الشخصية والأيديولوجية على مطالب الشعوب وأفقها المستقبلي؟


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة