الثلاثاء 2025-11-25 19:47 م

قراءة في تجربة الصحة العامة بالسويد ودور السنوس في استراتيجية مكافحة التدخين وتراجع معدلاته

قراءة في تجربة الصحة العامة بالسويد ودور السنوس في استراتيجية مكافحة التدخين وتراجع معدلاته
03:29 م

الوكيل الإخباري-   على مدى عقود، شكل التدخين تحدياً يعد من أخطر التحديات الصحية التي يواجهها العالم. في هذا السياق، فقد فقدت ملايين الأرواح بسبب العديد من الأمراض المرتبطة بالسجائر، وذلك برغم حملات المنع والضرائب المرتفعة والتحذيرات الصارمة على منتجات التبغ، والتي كانت جزءاً اساسياً من السياسات التقليدية المتبعة للقضاء على التدخين.



وبالنظر لقصور السياسة التقليدية في تحقيق أهدافها، فقد عمدت بعض الدول لتبني سياسة مبتكرة لعلها تكون قادرة على تحقيق نتائج ملموسة، تمثلت في الحد من المخاطر الناتجة عن التدخين بدلاً عن الاعتماد فقط سياسة منعه والحث على الإقلاع الفوري.


السويد، تعتبر النموذج الأبرز في مجال تبني سياسة الحد من المخاطر، فهي الدولة الأوروبية التي سجّلت أدنى معدلات التدخين، ليس بفضل القوانين وحدها، بل أيضاً نتيجة لاعتماد السويد على بديل محلي للسجائر عرف بـ (السنوس) وهو عبارة عن أكياس من التبغ توضع بين اللثة والشفاه ويتم امتصت النيكوتين منها عن طريق اللعاب.


في عام 2024، سجلت السويد نسبة تدخين للسجائر يومية 6% بين السكان في السن القانونية للتدخين، الأمر الذي أكدته وكالة الصحة العامة السويدية. وفي هذا السياق، فقد كانت معدلات التدخين أعلى بين النساء إلا أن الفجوة بين الجنسين قد تقلصت حتى أصبحت معدلات التدخين بين النساء والرجال متقاربة الآن. وقد أعلنت السويد نفسها كأول دولة خالية من الدخان؛ إذ تقترب من تسجيل معدلات يومية بنسبة 5.3% فقط مع تقديرات تصل بنحو 3 آلاف حياة تنقذ سنوياً بفضل استخدام السنوس وأكياس النيكوتين - وهي أكياس مماثلة للسنوس ولكنها تحتوي على النيكوتين بدون التبغ.
وقد كانت الحكومة السويدية قد حظرت منذ العام 2005 التدخين في الأماكن العامة، إلى أن وسعت الحظر في العام 2019 ليشمل الأماكن العامة المفتوحة، كما فرضت الضرائب على السجائر التقليدية بينما كانت أقل نسبياً على السنوس الذي نظمت تداوله بشكل قانوني ومنضبط، فضلاً عما بذلته من جهود لتعزيز التوعية الصحية إلى جانب تقديم البدائل، مشجعة المواطنين على الانتقال إلى بدائل أقل خطراً بدلاً عن إجبارهم على الإقلاع الفوري عن التدخين.


في ضوء هذه النتائج المميزة للسويد، جاءت تجربة أسبوع ألميدالن السويدي، الذي يجتمع ضمنه الأكاديميون والسياسيون والصحفيون وصناع القرار لمناقشة قضايا تهم المجتمع، من البيئة والاقتصاد إلى الصحة العامة، لتكون منصة حية لمتابعة أثر سياسات الصحة العامة على أرض الواقع.
خلال هذا الأسبوع وفي إطار ندوة على هامشه، تمكنت أستاذة علم الأحياء الدقيقة في جامعة غوتنبرغ، أغنيس وولد، من رصد كيفية تفاعل المواطنين مع استراتيجية الحد من المخاطر، وخاصة استخدام السنوس كبديل آمن للتدخين، مسلطة الضوء على العوامل الاجتماعية والسلوكية التي ساعدت في تقليل معدلات التدخين، مما يوفر نموذجاً عملياً لفهم نجاح السياسات المبتكرة في الحد من المخاطر الصحية المرتبطة بالتبغ.


وعلى هامش الندوة، وخلال مداخلة لها، قالت الأستاذة وولد بأن السنوس الفموي السويدي وقف وراء انخفاض معدلات التدخين بين الرجال السويديين مقارنة ببقية دول أوروبا التي يحظر اتحادها تسويق السنوس الذي يعد نوعاً من أنواع التبغ الفموي الذي يقصي باستخدامه معادلة الاحتراق، إذ يوضع تحت الشفة العليا، فلا يستنشق، وبالتالي لا ينتج دخاناً محملاً بالمواد الضارة والسموم.


وفي هذا السياق، فقد ركزت الأستاذة وولد بأن الفرق الجوهري بين السنوس والسجائر التقليدية يكمن في إقصاء عملية الاحتراق وما ينتج عنها من مواد ضارة، لا النيكوتين، ما يجعل الكثير من الباحثين يعمدون إلى وصفه بأداة ضمن مفهوم الحد من المخاطر وتقليلها، والذي يعني الانتقال من منتجات خطرة إلى بدائل أقل خطورة.


ووسط زخم من الآراء والخطابات، فتحت مداخلة الأستاذة وولد باباً مختلفاً للنقاش: علاقة التدخين بالصحة، والدور المثير للجدل الذي يلعبه السنوس في الحد من مخاطر التبغ، مؤكدةً أن السنوس لا يعتبر بأي شكل من الأشكال بوابة تؤدي إلى التدخين، بل العكس تمامأً، وهو ما أكدته أيضاً عدة جمعيات استهلاكية قالت إن التجربة السويدية تثبت أن توفير بدائل عملية يمكن أن يساهم في خفض معدلات التدخين بشكل فعلي، بدلاً عن الاكتفاء بالمنع والقوانين الصارمة.


وبالنظر لما قدمه السنوس وأكياس النيكوتين من نتائج إيجابية، فقد ارتأت بعض الشركات المصنعة مثل فيليب موريس إنترناشيونال ضرورة توسيع نطاق الاستثمار في تطوير المزيد من المنتجات الخالية من الدخان، فبادرت للاستحواذ على شركة سوييديش ماتش أواخر العام 2022 من خلال فرعها في هولندا لتبدأ بإنتاج أكياس النيكوتين في انعكاس للتحول الاستراتيجي المتصاعد لديها نحو المنتجات البديلة التي تنظر اليها كوسيلة لتقليل المخاطر حتى وإن بقيت مثيرة للجدل.


في الخلاصة، فإن تصريحات الأستاذة وولد لا يمكن اعتبارها تصريحات عابرة، بل هي دعوة للتفكير بطريقة أكثر واقعية، خاصة وأن المنع وحد لم يفلح في القضاء على التدخين، لكن تجربة السويد تظهر أن توفير بدائل خالية من الدخان أقل خطورة قد يكون جزءاً من الحل. وفي نهاية المطاف، يمكن القول أن السنوس يقدم درساً هاماً بالرغم من أنه قد لا يكون خالياً من المخاطر تماماً، إلا أنه يملي على صناع القرار التفكير في استراتيجيات أكثر ذكاءً تتجاوز الشعارات الرنانة.
-انتهى-

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة