الخميس 18-04-2024
الوكيل الاخباري
 

أزمة البيروقراط .. المعلمون إنموذجا



 
الكادر البيروقراطي في المؤسسة الأردنية ووزارة التربية تحديدا ليس في وضع يؤهله لخوض معركة الحكومة ضد نقابة المعلمين. لقد بدا ذلك واضحا من تواضع مستوى الاستجابة في الميدان لتوجيهات الحكومة لمدراء التربية في المحافظات والألوية لاستئناف الدراسة وكسر الإضراب.اضافة اعلان


شخصيا كنت أفضل ألا يصدر مثل هذا التوجيه عن رئيس الوزراء، بل من وزير التربية والتعليم، حتى لا يسجل الفشل على الحكومة بالمعنى السياسي.

البيروقراط في الميدان العام لم يعد ذلك الكادر الذي يوصف تقليديا بحزب الدولة. ثمة شرخ كبير حصل في العلاقة بينه وبين مؤسسات الدولة. نقابة المعلمين لا يزيد عمرها على عقد من الزمن، بينما عمر وزارة التربية والتعليم يناهز القرن تقريبا، ومع ذلك تبدو عاجزة عن التواصل مع كوادرها التعليمية ولا تحظى بأي وزن في أوساط المعلمين.

الحالة الراهنة بين الحكومة والمعلمين واحدة من تجليات أزمة التحول في دور ومكانة القطاع العام، وفي جانب آخر مؤشر على كارثية السياسات الحكومية التي أثقلت مؤسسات الدولة بجيش من الموظفين يكاد اليوم أن ينقلب عليها.

الدولة الريعية في الأردن تلفظ أنفاسها، لكن حتى الآن لم يتبلور مشروع حقيقي لدولة المواطنة والإنتاج. الانتقال لن يحدث بين ليلة وضحاها، لكنه يحتاج بالمقابل لمشروع مرحلي يمتد لعقد من الزمن على الأقل. الظروف الصعبة للخزينة لم تسعف الدولة على تحمل الفترة الزمنية اللازمة لإنجاز المرحلة الانتقالية، والأوضاع الإقليمية الصعبة من حولنا وأعباء اللاجئين قوضت خطط التنمية وأرهقت الموازنة العامة للدولة.

من البداية كان معلوما أن عملية الانتقال تتطلب إصلاحات اقتصادية واجتماعية وثقافية عميقة، لكن النخب التي تعاقبت على السلطة التنفيذية وكذلك التشريعية، ركزت على الجوانب السياسية، في اعتقاد ساذج مفاده أن الأولوية هي للإصلاح السياسي، في وقت واصلت فيه هذه النخب إغراق مؤسسات الدولة بسيل من الموظفين، وتكسير مجاديف القطاع الخاص، وتكريس ثقافة الاعتماد على الدولة في توفير فرص العمل.

وعندما وجدنا أنفسنا وسط الأزمة لم نجد غير الضرائب والديون وسيلة لتوفير فاتورة الرواتب المتضخمة في القطاع العام، على حساب سياسات التحفيز الاقتصادي التي تتكفل في العادة بخلق فرص عمل وتحمل مسؤولية التشغيل عوضا عن التوظيف في القطاع العام.

وفي الأثناء لم نقدم على أي خطوات جدية لإصلاح القطاع العام الذي استشرى فيه الفساد والمحسوبية والواسطة، وخسر كفاءته بشكل تدريجي. وصارت النظرة للقطاع العام بوصفه عبئا على الدولة وليس محركا للقيادة والإدارة. هذا الشعور ألقى بظلاله على علاقة مؤسسات الدولة مع البيروقراط، الذي انهارت مكانته كمكون رئيسي من مكونات الطبقة الوسطى، وبدأ هو الآخر يرزح تحت ضغط الصعوبات المعيشية والغلاء، وغير قادر على الوفاء بمتطلبات الحياة اليومية، فانهارت ثقته بالمشغل “الدولة” ولم يعد معنيا بحمل مشروعها في الميدان.

بهذا المعنى، يمكن لأزمة الحكومة مع المعلمين أن تتطور لأزمة كبرى تضع العلاقة بين طرفي المعادلة في اختبار عصيب، نتائجه غير مضمونة أبدا.