السبت 20-04-2024
الوكيل الاخباري
 

أسطورة الزمن الجميل



 
عندما يتحدثون عن الماضي يحلو للمثقفين ترديد عبارة «الزمن الجميل» ويتحسرون على تلك الأيام ويتمنون عودتها. طبعا هم يتخيلونها بمعزل عن الإحساس بالجوع والبرد والروائح الكريهة والطعام المتشابه. هم يتذكرون شبابهم وطفولتهم التي عاشوها سعداء (كما يعتقدون الان) لكن الأمر كله مجرد خدعة نفسية وضحك على (لحيّة الذات) فلم يكن الماضي أجمل إلا لأننا كنا أقل عمرا وأقل مسؤوليات.اضافة اعلان


وغالبا ما يسترسل أحدهم في المقارنة بين ناس الأمس وناٍس اليوم ويؤكد بأن الأخ يشهد الآن على أخيه في المحكمة والناس جميعا لم يعودوا أهلا للثقة ... فقد اختفت الطيبة والبساطة ولم يعد للأخلاق من معنى. وغالبا ما يتفق الجميع في النهاية بأن أيام زمان أحسن وأروع ويتمنون العودة إليها.

اعتقد أن هكذا حوارات هي جزء مهم من سيكولوجيا الإنسان العربي .... تحديدا: هذا هو الجزء المدمر الذي يستخدمه الأعرابي الساكن في دواخلنا، ويحاول شدنا إليه دوما .... إلى بداوتنا، لذلك فهو (الأعرابي الساكن) في حالة عداء دائم ودائب مع المدنية ويسعى إلى تدميرها لتعود الحياة من جديد إلى البداوة. وهو ينجح كثيرا في الواقع ...حيث تمت أكثر من مرة إعادة الوضع من المرحلة المدينية الحضارية إلى مراحل اقل مدينية وتقدما، وتاريخنا مليء بالحواضر التي تحولت أطلالا وبواد مرة ثانية وعاشرة. هكذا نتقدم إلى الأمام ثم نتقهقر للخلف حسب قانون الفعل ورد الفعل وكأنك (يا أبو زيد ما غزيت) !!

في الواقع فإن اليوم مهما كان حجم تعقيداته وتحدياته أفضل من الأمس، وناس اليوم أكثر عقلانية وأكثر محبة لبعضهم (خصوصا الأخوة) لأن ضرورات الحياة فصلت العلاقات الاقتصادية والملكيات المتشابكة وأماكن السكن المتداخلة والسلطات الأبوية، ولم يعد هناك (وطي) و (دواقير) وموارس يتنازعون عليها وعلى حدودها عند الحصاد، ولم يعد من يصحو أبكر يتسلل إلى الأرض المفتلح، ليغير مكان الأوتاد، حتى يسرق شوال قمح من وطاة أخيه أو ابن عمه أو جاره.

الطعام ألان أكثر تنوعا وأفضل طعما وأكثر توفرا لأكبر عدد من الناس .... الماء أنظف ويصل إلى البيوت كذلك الكهرباء ووسائل الراحة والنظافة ... هذا لا يعني أن هناك الكثير من المشاكل في المجتمع الحالي، لكن علينا مواجهتها، وليس قضاء الوقت في النواح على ماض لن يعود.

في المجمل فإننا عباقرة في دفن الإنجازات والعودة إلى نقطة الصفر وما قبلها ... لذلك صرنا صفرا على الشمال، ونحن مرشحون – إذا ظلينا ع هالرشّة-للخروج حتى من هامش دفتر التاريخ.