الجمعة 29-03-2024
الوكيل الاخباري
 

التسمم الجماعي .. نموذج على الفشل



مضت أيام عطلة العيد على الأردنيين ثقيلة وحزينة ومقلقة، جرائم قتل وحوادث سير مروعة خلفت ضحايا من المواطنين. لكن ما لم يكن في الحسبان موجة التسمم التي ضربت حوض البقعة بأعداد كبيرة وتردد صداها في كل المحافظات.

اضافة اعلان


لسنا استثناء في هذا الميدان، فالتسمم الغذائي ظاهرة عالمية، غير أن إدارة الأزمة عندنا كانت نموذجا على الفشل وسوء التقدير والتدبر، وكأننا لسنا الأردن الذي أدار أزمة كبرى وما يزال بكل اقتدار ونجاح، وتمكن من تجنيب الأردنيين شر وباء كورونا، بينما دول عملاقة تغرق في وحلها.

ما أن بدأت مؤشرات على تسجيل حالات تسمم في عين الباشا جراء تناول وجبات شاورما من أحد المطاعم، حتى غمر المصابون بالأعراض مستشفيات محافظة البلقاء.حاولت السلطات المعنية في البداية التقليل من قيمة الحادثة، لكن الأرقام المتصاعدة كشفت المستور.
ترافقت الحادثة مع أجواء حارة جدا، تستوجب يقظة عالية من الجهات المسؤولة عن سلامة الغذاء، لكن تلك الجهات وكما يبدو كانت مسترخية في إجازة العيد، لا بل دخلت في حالة تلاوم وتقاذف للمسؤوليات بينما الحادثة تستفحل وتسجل المزيد من الإصابات والوفيات، طفل وشاب توفيا جراء مضاعفات التسمم.

وقبل أن تنتهي السلطات الصحية من احتواء حالات التسمم الأولى، ظهرت بؤرة جديدة شملت هذه المرة عدة مطاعم، عندها فقط تنبهت السلطات لمصدر الوباء وهو مستودع لتوزيع اللحوم على مطاعم اللواء.
وهذا الاكتشاف”المذهل” يتناقض تماما مع تأكيدات رسمية رافقت حادثة التسمم الأولى ومفادها أن الجهات الرقابية قامت بتمشيط المنطقة وسيطرت على المشكلة، ليتبين أن عين الرقابة فاتها مستودع ضخم يحوي أطنانا من اللحوم الفاسدة.
بين مؤسسة الغذاء والدواء وبلدية عين الباشا، عشنا يوما كاملا من غياب الحقيقة، فيما وزراء في الحكومة يتحركون كطرشان في الزفة، والمفارقة اللافتة أننا وعلى نحو مفاجئ شهدنا موجة من إغلاقات المطاعم والمحال التجارية في جميع المدن، وكأنها محاولة للتغطية على الفشل في التعامل مع حوادث التسمم الجماعي في لواء عين الباشا.

والأدهى أن الإجراءات الطبية لم تفلح في تقدير مدى خطورة التسمم بدليل وفاة مواطنين بعد مرور أربعة أيام على تشخيص حالتيهما. هل ما يزال أحد يموت جراء التسمم الغذائي في دولة تفخر بتميز قطاعها الصحي؟!
وبعد أن تفاقمت الحالة قذف البعض في وجهنا قصة الدجاج الأوكراني، وأظهرت الوقائع الأولية وغير النهائية أنها أقرب ما تكون لقنبلة دخانية للتغطية على معلومات رسمية أفادت بأن الدجاج المستخدم في الشاورما مصدر التسمم هو منتج أردني.
قد لا يكون الدجاج بحد ذاته هو السبب، بل سوء التخزين في المستودع المضبوط، لكن قلق البعض على مستقبل دجاجهم دفع بهم لتفجير مشكلة أصبحت الآن بين يدي هيئة النزاهة ومكافحة الفساد للوقوف على حقيقتها.
جهد الحكومة بدا مشتتا ففي اليوم التالي لإعلان وزير الصحة تشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات قضية التسمم، أعلن رئيس الوزراء عن تشكيل لجنة وزارية استثنى من عضويتها المؤسسات الرقابية لضمان دقة النتائج، قبل ذلك كان الوزير المعني قد طلب من النائب العام التحقيق في الأمر.

لا نعلم مصير هذه اللجان لكن رئيس الوزراء أعطى لجنته مهلة أسبوعين لتقديم نتائج تحقيقاتها.
لكن السؤال، ألم نعتمد منذ سنتين قانونا يوحد مرجعيات التفتيش والرقابة منعا للتشتت والتداخل في الصلاحيات؟ أين هذا القانون مما جرى في لواء عين الباشا؟