السبت 27-04-2024
الوكيل الاخباري
 

اللجنة الملكية ومهمة البدايات



سنجلس قريبا، ونتأمل تجربة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، سنقول الكثير، إضافة لما قيل، حول توقيت تشكيل اللجنة، وحول اعضاء اللجنة ورئيسها ومهمتها، والكثير الكثير حول مخرجاتها التي ينتظر اعضاؤها التشرف بلقاء جلالة الملك بداية الشهر المقبل لرفع نتيجة عملهم رسميا لجلالته.اضافة اعلان


شخصيا كنت مهتما برصد آلية التعاطي السياسي في نقاط الاختلاف بين الفعاليات والقوى السياسية في الأردن بمناسبة وبخصوص اللجنة، وحاولت رصد آليات التعاطي مع الخلاف والاختلاف، فإذا كان المجال السياسي هو ساحة للتواصل والتفاعل بين القوى السياسية الفاعلة، والمتعارضة في اغلب الاوقات، فما هي ادوات وآليات التواصل السياسي وما هي «مكنزمات» وآليات ادارة خلافات تلك الفعاليات السياسية؟
ولكن قبل البحث في ذلك من المهم رصد محددات المجال السياسي نفسه، تلك التي تشكل مرجعية الحوار او الموقف السياسي في الأردن، وأول تلك المرجعيات الدولة، فالدولة في المجال السياسي الأردني. في اكثر الاحيان ـ سلطة «ابوية»، هي تعرف مصلحة الجميع، وهي الواقفة على «معلومات» حول الجميع، وهي وحدها في عقلها الذاتي القادرة على تقدير الامور. والفاعلون السياسيون عموما إما «يهرفون بما لا يعرفون»، او أنهم مغرر بهم، وبعضهم «ذو أجندات خارجية»، وهذا المنطق فيه إلغاء مطبق للآخر السياسي، سيان كان حزبيا او ناشطا اجتماعيا او مواطنا عاديا، في الثمانينيات والتسعينيات وربما اقدم من ذلك سمع بعضنا او اكثرنا تأفف المسؤولين – مستويات مختلفة ومنهم رؤساء وزراء – من المواطنين، واعتبروهم عبئا على كتف المسؤول والعقبة الكأداء في طريق تقدم البلد.
بعد ان بدأ جلالة الملك في نشر اوراقه النقاشية (2012)، بدأت تشيع في الفضاء السياسي الأردني مصطلحات مثل المواطنة والمواطن الفاعل، والحكومات البرلمانية، فجأة تغير خطاب الدولة والمسؤولين فيها، وصار العزف على قيمة المواطن والمواطنة شائعا بينهم، ومع ذلك فإن اكثرهم لم يغير عقيدته الفوقية في تقييم المواطن والتعامل معه.

بالمقابل فإن الاحزاب الأردنية عموما تصنف نفسها في المعارضة، وهو الموقف التاريخي الطبيعي لها في ظل «الانقلاب الاستباقي» – والتعبير هنا للسيد عدنان ابو عودة – الذي نفذته الدولة في الخمسينيات وحظرت فيه الاحزاب لربع قرن تقريبا، لهذا فإن خطابها العام غاضب يميل لإدانة الدولة، وصوتها في مواجهتها صوت ضحية عانت من الاقصاء، واشكال الحصار، والملاحقة المختلفة، طبعا لا نقارن بدول دموية.
أما فيما بينهم فإن بأسهم شديد، فأغلب الاحزاب تتعامل مع فصيل معروف باعتباره «الحزب المحظي» الذي وإن ناله الكثير من «المضايقات»، فإنه تمتع بشرعية وجود وحيدا منفردا عاملا على الارض، وفي مؤسسات الدولة، واهمها في وزارة التربية والتعليم، وهذا «التمتع»، جعل الساحة السياسية الأردنية ساحة أحادية غير متنوعة، وقلب الشكل العام للبلد والناس، وجعل من جوهرهما غير الذي كانوا عليه حتى بداية التسعينيات، حتى صارت لغة الحوار بين هذا الفصيل وأغلب الاحزاب غير بعيدة عن لغة الدولة، فهي ايضا «ابوية»؛ فيها استخدام مفرط للغة الإدانة الاخلاقية، وبعيدة عن الحوار السياسي بمعناه المدني السياسي، وبالعموم فإن الفضاء السياسي مفعم بالهجوم والهجوم المضاد، وقلما نسمع عن سجال حول برنامج الحزب في حين نسمع ونشهد معارك حول نقض فكر الحزب الآخر!
دخلت على الخط وسائل التواصل الاجتماعي، وهي وسيلة اكثر فعالية من جميع وسائل تواصل الاحزاب المعروفة؛ ندوات ونشرات وبيانات، وهي ايضا ذهن قائم بذاته، فحتى الاحزاب التي قد تستخدم هذه الآليات – أقصد وسائل التواصل الاجتماعي-، تستخدمها لكونها لا تملك بالضرورة روح صفحة شخصية لناشط سياسي، طبعا تبين ايضا ان هذه الوسائل ليست «عفوية» دائما، وهي احيانا مؤسسية، وخلفها طابور خامس او سادس!

إذا كان لنا ان نأخذ من تشكيل اللجنة ونتاجها حالة تشكيل لبدايات على الصعد السياسية، فإنه يجب إيلاء آليات الاختلاف السياسية ما تستحقه من اهمية، وفي هذا المجال يجب ان نعلي قيما سياسية مهمة، لإدامة الاختلاف السياسي السلمي، واهم تلك القيم احترام المواطن باعتباره غاية التحديث السياسي واداته الاهم، وان الدولة بقضها وقضيضها، وايضا الاحزاب والنشطاء السياسيون كلهم مكرسون لخدمة هذا المواطن، وان المصلحة الكلية هي مصلحة الدولة العليا، وايضا احترام الدستور وحمايته، فإنه الهيكل القانوني المسؤول عن ادامة السلم في السجال السياسي ورفض الاقصاء والابوية والتسلط باسم الاخلاق، والتمركز على ما يقدمه كحزب وفصيل سياسي اكثر من العمل على نقض واقصاء الآخر، اعتقد ان آليات الاختلاف السياسي بحاجة لدراسة علمية جادة ومعمقة، ارجو ان اكون وصلت الرسالة جنابك؟!