الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

تواصل عن تواصل




من الواضح أن الدولة دعمت موقف الجامعة في أحداث الشغب الأخيرة، فإن اجتماع مجلس إدارة الأزمات بهذا الخصوص، كما تقول المصادر الصحفية، وجّه للحزم في معالجة الأمر وعدم قبول واسطة من الوجهاء والنواب والوزراء، أيضا وفي بيان منفصل أصدرت العشيرتان المحترمتان المعنيتان بيانا كشف الغطاء عن كل مثير للشغب وتبرّأتا من مساندتهما له، وهذا ليس بغريب عن وجهاء هاتين العشيرتين واللتين يقف على رأسهما ذوات عبرت غير مرة عن موقف متحضر متقدم في احترام القانون ورفض التعدي عليه من أيّ كان.اضافة اعلان


إن موقف الجامعة كان حازما في إصدار قرارات بحق الطلاب المخالفين سندا لأنظمتها، فتحقيق العدالة مطلوب في كل الحالات ومع كل الأشخاص، وإعمال القانون أولوية على كل الاعتبارات.

ولكن أن ينتهي الأمر بطرد مجموعة من الطلاب والاستمرار في العمل كالمعتاد كأنّ شيئا لم يكن، لا يعد موقفا تربويا ولا تعليميا مفهوما، إذ إن أحداث الشغب في الجامعات أحداث متكررة وفي معظم جامعات المملكة، وأغلبها أحداث وراءها هويات فرعية ليست من باب التفاخر بالكرم والجود والعلم والشهامة والأصالة، وهي ما تفخر به مجتمعاتنا، بل إن وراءها سلوكات إقصائية ومفاهيم تنابزية وتفاخر فاضي.

لا أعرف أحدا في أي بقعة في الوطن ينظم تعليما أو دورات لأبنائه ليكونوا خارجين على القانون، بل إن الذي يتولى التعليم هي مدارس المملكة وجامعاتها، والتي أخفقت في وضع الدولة وسيادة القانون هويةً جامعة للناس وفشلت في إعطاء شباب هذا الوطن نموذجا ناجحا لمعنى الالتزام بالقانون، فتولدت عند الناس قناعة أن المواطن يحب أن يكون فهلويا متعصبا إقصائيا يصل على حساب الآخرين، وقد شجعت الدولة هذا السلوك عندما سمحت في غير مكان وزمان بأن يصل كثيرون لا يستحقون الوصول، وصلوا وتبوّأوا مناصب وألقاب ومميزات على حساب المجتهدين والمجدين؛ وبالمناسبة وبكل صراحة فإن ضحايا غياب سيادة القانون هم من كل الأصول والمنابت، الذين ذهبوا ضحية للواسطة والمحسوبية.

في مؤتمر جامع للشباب أقامته مؤسسة ولي العهد تحت عنوان “تواصل” رأيت صورة أخرى للأردن وشباب الأردن، واستمعت إلى حديث سمو ولي العهد للشباب من القلب إلى القلب تحدث فيه عن العمل والفعل ودعا الشباب فيه أن يتولوا صناعة مستقبلهم رغم كل الصعاب وهو حديث أعطى طاقة فرج وأمل بمستقبل واعد.

شاركت في ذات المؤتمر في ندوة تحت عنوان سيادة القانون، وكان مما لا بد منه التذكير بالورقة النقاشية لجلالة الملك التي نشرها العام 2016، والتي قال فيها إن سيادة القانون أساس المستقبل وجسر الوصول إليه هو خضوع جميع الأفراد والمؤسسات والسلطات لحكم القانون، وهو الأساس الحقيقي الذي تبنى عليه الديمقراطيات والاقتصاديات المزدهرة والمجتمعات المنتجة، وهو الضامن للحقوق الفردية والعامة، والكفيل بتوفير الإطار الفاعل للإدارة العامة والباني لمجتمع آمن وعادل؛ وفي لفتة مهمة يقول جلالة الملك: “إن إعلانات الولاء والتفاني للأردن تبقى مجردة ونظرية في غياب الاحترام المطلق للقوانين”.

وفي تكييف لضرورة سيادة القانون يقول جلالة الملك: “عندما ننظر إلى مجتمعاتنا العربية نجد أنها تتكون من منظومة معقدة من الانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية والقبلية، ولهذا التنوع أن يكون مصدرا للازدهار الثقافي والاجتماعي والتعدد السياسي ورافدا للاقتصاد، أو أن يكون شعلة للفتنة والعنصرية والنزاعات، إن ما يفصل بين هذين الواقعين هو وجود أو غياب سيادة القانون”.

وأخيرا يؤكد جلالة الملك صراحة: “إن مسؤولية تطبيق مبدأ سيادة القانون وإنفاذ حكم القانون يقع على عاتق الدولة أساسا”.

نعم يقع على عاتق الدولة أساسا والأفراد تبعا، ويصبح الخروج على القانون مستهجنا خاضعا للعقاب العادل الناجع.
هذه الدولة ومؤسساتها إما أنها لا تقرأ ما كتبه جلالة الملك أو أنها تقرأ ولا تفهم، أو أنها لم تصلها الرسالة، وهي الآن تواجه واقعا حيث القانون في كثير من الأحيان لا يُحترم، قبل أن يكون مطبقا على الناس أو غير مطبق، اصحوا جنابكم!