الأحد 28-04-2024
الوكيل الاخباري
 

رمضان والتحديث السياسي



ثابت أن الصيام مدعاة للنشاط والعمل، وثابت ان الاحاديث النبوية تحث على الاقتصاد في الاكل وتجنب الشبع والتخمة، فهو شهر للتأمل والتعبد والبعد عن الماديات. فإن كان الصوم في رمضان مناسبة للتعاطف مع رقيقي الحال؛ فأول هذا التعاطف ان يشعر المؤمن ما يستطيع بالظروف المادية التي يعيشها رقيقو الحال.اضافة اعلان


الاستعدادات التي تقوم بها الحكومات المتعاقبة، استقبالا لرمضان تذهب نحو «رمضان» مختلف تماما، رمضان فيه كسل في العمل، وانغماس في الطعام، وإبطاء لحركة الناس وعملهم، فيبدأ الشهر بتأكيد الحكومة وفرة المواد الغذائية!

وتأخير دوام المؤسسات الحكومية والمدارس والجامعات وتقليل ساعاته؛ ليتناسب مع «سهر» الساهرين بين اطباق الطعام والشراب والارجيلة وغيرها! فلماذا تساعد الحكومات كل العادات غير الاقتصادية وغير الصحية وغير الاجتماعية وغير الدينية؟

السبب ان الحكومات اعتقدت قديما وما تزال، انها «والد أو والدة» الناس، وانها المسؤولة عن تخطيط حياتهم اليومية الاقتصادية والاجتماعية والروحية، فتراها تتدخل في ادق التفاصيل، مثل صوم رمضان وحركة الناس في الشتاء او دوام القطاع الخاص في ايام الانتخابات العامة، ما شأنها في هذا؟

هذه القرارات يأخذها الانسان حسب ظروفه هو، وحسب امكانياته وقناعاته، الحكومة تهيئ البيئة، او توفر المعلومة عن حالة الطقس مثلا، ولكن ليس من عملها ان تخطط حركة الناس وطريقة عملهم وخياراتهم السياسية في الانتخابات، فمن تهيئة البيئة مثلا؛ وضع اساليب انتخابية الكترونية تسهل على الموظف العام والخاص ان يمارس حقوقه الدستورية، دون ان يحطم اقتصاده او يشترك في ازمات سير خانقة او حتى دون ان يحتك احتكاكا تنافسيا قد يخلق «نزاعات مسلحة»، تغيير نمط حياة الناس لا يخدم الصائمين، اما غير الصائمين فانهم لا يطلبون اوهم قطعا لا يستحقون اي ترتيبات استثنائية!

سلوك الحكومات ينبع من فهم غير دقيق لدورها، الحكومات ليست مدبرة منزل لتخطط متى نتسحر؟ ومتى نذهب للدوام؟ ومتى نصلي؟ ومتى نذهب للسهرات الرمضانية؟ مثلا، هذا شأن خاص ويبقى خاصا، وللحكومات من الاعمال والازمات التي تكفيها، وقتها ضيق على مواجهتها وحلها، فماذا لو هنأت الحكومات الناس بحلول الشهر الفضيل، وبقي الحال على حاله، وتركت هندسة الحياة للناس، انظر هذه صائمة و/او صائم يتسحر الساعة الخامسة «بدل طعام الفطور السابعة او الثامنة، ثم يذهب الى عمله كالمعتاد، ويوصل اولاده للمدارس، يذهب لدوامه كالمعتاد، ما الفرق بين الصلاة والصيام، المصلون يتكيفون في صلاتهم مع حياتهم اليومية، وكذلك هو الصوم خاصة ان الأثر النبوي ربط الصيام بالعمل وتحقيق الانجازات ولم يجعل من «الصيام» مدعاة للكسل والعادات الاستهلاكية والتشجيع على التدخين، وبالحديث عن التدخين، فإنني أعتقد ان المدخنين هم المسؤولون عن الكثير من القرارات الحكومية، التي تناسب ادمانهم، ورغم ان اكثرهم لا يصومون، فإنهم عبر الحكومات المتعاقبة كانوا وراء تاخير وتقصير الدوام خدمة «لادمانهم على التدخين»، وليس بالضرورة حبا في الصيام والصائمين.

خلاصة القول، ان التحديث السياسي ليس فقط قوانين للحياة السياسية، بل هو بناء ثقافة التحديث في السلوك العام باتجاه التشجيع على العمل والبناء وتعظيم الثروة، اننا في ضائقة اقتصادية جامعة، تحتاج افكارا خلاقة لزيادة العمل والانتاج، ووقف العادات الاستهلاكية، واعتقد اننا كشعب يمكن ان «نستغل» شهر رمضان لنتامل عاداتنا المعيشية والاستهلاكية، ونجعل من هذا الشهر، شهر «توفير» وليس تبذير، وشهر الصحة وليس التخمة، – خاصة وان الكثيرين استدلوا على الصيام المتقطع للصحة ومراعاة تخفيض الوزن -، وهو ايضا شهر لتقليل الحاجة للاستهلاك والاستيراد، ومساعدة الميزانية المرهقة. انه شهر لنعلن فيه انه ليس بقرارات الحكومات وحدها يحيا الانسان، بل بقراراته العاقلة النابعة من احساسه، حيث نأخذ من هذا الشهر فرصة لبدء تغيير السلوك العام، لنخدم كل ما يحمي الوطن والاهل والاسرة.

اقول للحكومات اهتموا بشغلكم، أما رمضان فهو فرصة لتغيير عاداتنا في التبذير والاستهلاك واللغط والتنطع، فاهم علي جنابك؟!