الخميس 02-05-2024
الوكيل الاخباري
 

ريحة جرابات



منتصف القرن الماضي ساد اعتقاد عالمي بأن الحكومات والدول تتحكم في عقول الناس وتوجّه أفكارهم عن طريق نوع خاص من الإشعاعات، كان هذا قبل الكمبيوترات والشرائح تحت اللسان.اضافة اعلان


قد اقترح بعض العلماء آنذاك ارتداء الناس لملابس وأقنعة واقية مصنوعة من الألمنيوم. لكن أبحاثا أخرى أثبتت أن ملابس وأقنعة الألمنيوم تؤدي إلى تقوية الموجات المؤثرة وليس إلى الحد مـن تأثيرها، فبقي الموضوع بين أخد وجذب.

اعتقد أن الدول الكبرى فقط هي القادرة على العمل بهكذا مشروعات كبرى تتطلب المليارات تخصصها للدراسات والأبحاث، ونتائجها مطروحة على المستقبل –ربما قريبا-وليس في القرن الماضي ولا الآن.

لكن الدول اكتشفت وسيلة أرخص وأكثر جدوى في التأثير على الناس وتوجيه وأفكارهم ومشاعرهم ومخاوفهم وأحلامهم وعقدهم النفسية وخيالاتهم وأمانيهم. هذه الوسيلة هي وسائل الإعلام طبعا التي تتسيدها في التأثير حاليا ثقافة الصورة، مع استمرار تأثير الكلمة المسموعة والمطبوعة وغيرها من الأنواع والابتكارات الإعلامية.

ببساطة نحن مخترقون من كل مكان ونحن لا نملك أدنى أنواع الخصوصية، ولا نملك حتى تحديد ما نريد أن نفكر فيه، وما نشعر به، ولا حتى التمتع بمخاوفنا وأحلامنا وخيالاتنا وعقدنا النفسية وأمانينا.

الأقمار الصناعية تجحرك طوال الوقت الموبايل يتجسس عليك ويسجل أقوالك ويحدد مكانك لأقرب عشرين مترا، حتى وهو مطفأ وغير مشحون. الانترنت يفضحك، حتى وأنت تتجول في الشارع هناك من هو قادر على مراقبتك بواسطة شغلات لم نعرفها بعد، وتحديد لون جراباتك ورائحتها في الليل البهيم.

لم يبق عليهم سوى تركيب هوائيات وأجهزة التقاط قادرة على تصوير أحلامنا خلال النوم، ومحاكمتنا ومحاسبتنا على ذلك. وإحالتنا للتحقيق الى (دائرة الأحلام).

أحسد أولئك الذين ما زالوا قادرين على الإمساك بجمر التمرد، أحسدهم حتى لو صدف ان كانوا على خطأ.