الأربعاء 01-05-2024
الوكيل الاخباري
 

فرحة.. فيلم استفزني



بداية، كل الاحترام والتقدير لمعاناة الطفلة فرحة (رضية) التي عانت النكبة الفلسطينية من بيت مونتها، والتقدير لما أرادت قوله للعالم من خلال فيلم اسمه (فرحة) حول مشاهداتها للبطش الصهيوني والنازية التي مارسها ضد الشعب الفلسطيني ابان النكبة الفلسطينية عام 1948.اضافة اعلان


بيد أن ذاك لا يعفينا من مشاهدة الفيلم من منظور النكبة التي لم نر أي اثر لها في الفيلم او تلميح سوى ما كتب بالعربي عند بداية الفيلم (في فلسطين عام 1948)، فيما اخذنا الفيلم لرؤية مختلفة ودخلت بنا كاميرا الإخراج في البيت مونة الطفلة، لنشاهد من ثقب بابها ما تشاهده، ونعيش معاناتها من جوع وألم وعطش لم ينقذها منه سوى الشتاء الذي هطل في الخامس عشر من أيار!!.

وبعيدا عن احترام مثابرة الطفلة على التعليم وما أراده الكاتب والمخرج من إيصال فكرة تشبث الأطفال بحق التعليم رغم الاوضاع الصعبة، وهذا توجه يحترم ويقدر، بيد ان الاكتفاء عندما يتعلق الامر بالنكبة في هذا الجانب بمثابة تسطيح للقضية وللهجرة والنكبة والتشريد والقتل والمجارز التي ارتكبت، ولا يكفِي ان يقول قائل ان انتقادات واسعة اطلقها الكيان الفاشي الصهيوني ضد الفيلم مبررا لعدم نقده، والقول صراحة انه جافى الصواب في الكثير من الجوانب، وذهب باتجاه سردية لطفلة عبرت عن رؤيتها من ثقب باب لكشف حقيقة اجرام صهيوني طال كل أبناء الشعب الفلسطيني وسرقة تاريخية غير مسبوقة بحق ارضهم وبيوتهم، ولا يكفِي ان تكون رؤيتنا للقضية رؤية بعيدة عن ملامسة الواقع، فالفيلم ليس من انتاج هوليود او فرنسا او بريطانيا حتى نثمن موقفهم ذاك وانما هو فيلم عربي صريح حتى ولو تلقى دعما للإنتاج، وبالتالي وجب علينا ان نتوقف مطولا عند ما أراد قوله.

فرحة فيلم وقع في السطحية ارادنا ان نرى للأسف جانبا انسانيا غير موجود ابدا في محتلين ارتكبوا مجزرة دير ياسين والدوايمة وقبيبة وغيرها، أراد إشعارنا ان هدف المستعمر البحث عن مقاتلين وسلاح فقط، وانه لم يقتل الأهالي او يشردهم، وعندما قتل العائلة اشعرنا ان هناك من بين الصهاينة من تأسف على القتل، وان الجندي لم يقتل الرضيع واشفق عليه وتركه لقدره وذهب، دون ان يشعرنا ان أولئك انفسهم جاءوا من العدم وسكنوا في بيوت ليست لهم واحتلوا ارض غيرهم.

أيها السادة عندما تتحدثون عن القضية الفلسطينية عليكم ان تعرفوا ان القضية لا تقبل القسمة على اثنين، فإما ان تكون مع اصحاب الحق الفلسطينيين او مع الجانب الآخر، ولا توجد منطقة رمادية بينهما، ولا يوجد معنى لأي تبرير او القول بضرورة الدعم والإنتاج وغيرهما من مبررات واهية فنحن هنا لسنا على الحياد ابدا ونرفض ان نكون.

فلتغضب تل ابيب كما تشاء ولكن غضبتها لن تجعلني ابدا أسير مع تيار التصفيق والتطبيل دون رؤية أغراض سياسية أراد الفيلم ايصالها في غاية القسوة والخطورة، فالفيلم لم يتحدث عن الصهاينة باستثناء كم كلمة عبرية وحاول إظهار تعاطف الجندي الذي جاء من العدم مع الرضيع، وحشرنا في زاوية رؤية طفلة داخل بيت مونتها، وجعلنا نذهب معها في عالم بعيد عن القضية اقرب لمعاناة فرد في عالم فانتازيا، والد الطفلة بطلة الفيلم الذي اكتفى صناع الفيلم بالقول في نهايته انه قد (قتل)، نعم كتبوا انه قتل ولم يستشهد، اي ان صناع الفيلم ذهبوا لما يريده الغرب في توصيف ما يجري باعتباره صراعا بين طرفين وليس بين محتل وبين اصحاب الارض.

الكلام طويل، والملاحظات لا متناهية، وايصال الفكرة للغرب لن تكون ابدا بتلك الصورة، فهذا الغرب شاهد محمد الدرة الطفل يستشهد برصاص المختل ولم يتحرك، واستشهدت شيرين أبو عاقلة ولم يتحرك هذا الغرب المنحاز سلفا.

رحم الله المبدع المخرج حاتم علي، واطال الله في عمر الكبير وليد سيف اللذين قدما لنا حقيقة ما حصل في النكبة ونقلا بالكتابة والكاميرا الحقيقة كما هي دون تجميل قدما لنا عملا خالدا اسمه (التغريبة الفلسطينية) ادعو كل من يريد ان يكتب عن النكبة مشاهدته.